الانتحال والسوريالية والصوفية في كتابات أدونيس
من القراءات التي استوقفتني مؤخرا "أدونيس منتحلا" لكاظم جهاد و"رسالة مفتوحة إلى أدونيس" في الصوفية والسوريالية ومدارس أدبية أخرى لعبدالقادر الجنابي.
هذا التتبع المدهش لنتاج أدونيس - برغم غزارته - ورصد تضميناته وإغاراته وسلخه لبعض نصوص التراث وتحويره لأدبيات النفري وسرقاته لومضات نقدية لنقاد غربيين، جعلني أعود لأعمال أدونيس الشعرية التي أمتلكها للتّثبت فيما أشار له كاظم جهاد.
بعض ما أشار له كاظم من اكتشافات وجدت أدونيس وضعها بين علامتي تنصيص أو أقواس؛ ولعل هذا الأمر تداركه أدونيس في الطبعات اللاحقة إذ يشير بنفسه بأن هذه الطبعة - دار المدى 1966 الوحيدة المعتمدة وتنسخ ما قبلها.

وصدر "أدونيس منتحلا" عام 1991 في طبعته الأولى عن منشورات أفريقيا الشرق.
ويرجع كاظم جهاد هذه الكشوفات لأصحابها؛ أول كشف قام به الشاعر العراقي عادل عبدالله عام 1978 في مقالة نشرت في مجلة الطليعة الأدبية العدد 11 بعنوان: من كتب تحولات العاشق أدونيس أم النفري؟ (ص 80).
ثاني كشف اطروحة جامعية للشاعر التونسي المنصف الوهابي عام 1987 بعنوان: الجسد المرئي والجسد المتخيل في شعر أدونيس - قراءة تناصية.
وبينت هده الدراسة على ذمة كاظم جهاد صنيع أدونيس في غصب وانتحال من بودلير وبيرس والأصمعي وابن الأثير.
ثالث كشف للشاعر العراقي صلاح نيازي في مقالة نشرت في مجلة الناقد عدد يوليو/تموزعام 1988 بعنوان "أدونيس في ديوانه الأخير تتقدم الشهوة والشعر لا يتقدم"، مشيرا لانتحاله للبسطامي؛ راجع ص 94.
ومن ثم يتشعب جهاد في الكشوفات مبينا النص المنتحل والمنتحل منه في كتابةٍ ناقدة وفاحصة.
وكما أني عدت لأطروحة أدونيس الصوفية والسوريالية لأسترجع الرؤى التي هاجمها الجنابي برسالته المفتوحة.
دعوى السوريالية الأولى هي أنها حركة لقول ما لم يقل أو ما لا يقال ومدار الصوفية هو اللامقول اللامرئي اللامعروف؛ يقول أدونيس.
غير مهمل بأن الأولى حركة إلحادية والأخرى تتوق للخلاص الديني؛ بعدم توغل في ماهية الإلحاد أو بمعنى آخر عدم ذكره أو المساس بهذه الجزئية إطلاقا.

وبحسب الجنابي أن الأطروحة برمتها لا تستقيم ولا تقوم ولا تذهب هذا المذهب الذي تعمده أدونيس في إظهار الحركة السوريالية بهذا المنحى الذي يجعلها تتقاطع مع الصوفية التي يعرفها الجنابي "كتعبير أعلى عن التجربة الدينية - وأن الصوفي- يخلق نقيضين: الدنيا والآخرة لكي يرفض الأولى ويتجرد للثانية".
و"شتان مابين السوريالية والصوفية في كل شي؛ الأولى تريد نعيم الدنيا والثانية ترتجي مغفرة الآخرة".
أدونيس يجعلهما متقاطعتين ويهدفان إلى السمو والتخلص من الاغتراب وتجاوز الطرق المألوفة في مقاربة الواقع؛ غير أن الجنابي يرفض هذه الرؤى برمتها ويتهم أدونيس بأنه ينقل مقولات رواد السوريالية ببسترة شديدة وبلا أمانة.
وعلى قصر رسالة الجنابي - 50 صفحة- مقارنة بأطروحة أدونيس التي وصلت إلى 290 صفحة نجده يعطي ملمحا شموليا عن السوريالية بأهم مقولات روادها.
لنخلص إلى كيف نعقد مقارنة بين من يقول ما في الجّبة إلا الله وبين من يجذف بحق الذات الإلهية ولا يعترف بها.
زهدي دهنيم شاعر سعودي