الانتخابات البلدية كشفت أزمة التقدميين في تونس

كشفت تحضيرات الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في تونس في شهر مايو القادم، أزمة عميقة يعيشها التقدميون التونسيون، دون استثناء. فقد تبين بأن أحزابهم نخبوية، لا علاقة لها بالتقدمية، وليس في جعبتها غير تعطيل المسار الديمقراطي الذي تتجه نحوه تونس بشق الأنفس.

عدد القائمات الانتخابية التي قبلت بها هيئة الانتخابات أثبتت عجز هذه الأحزاب عن التقدم في كل البلديات البالغ عددها 350 بلدية، وهو ما يعكس انحسار انتشارها وتمثيلها الشعبي. فبعد الحزبين الكبيرين النهضة والنداء، اللذين تقدما في كل البلديات، جاء الترتيب على حزب التيار الديمقراطي الذي تقدم في 69 بلدية فقط. أما الاتحاد المدني، المكون من 11 حزبا تقدميا، أهمها الحزب الجمهوري، لم يتمكن من التقدم الا بـ 34 قائمة، وهو ما يمثل اقل من 10% من بلديات الجمهورية.

ويبدو بان هذا العجز في الانتشار الشعبي فاقم من أزمة هذه الأحزاب التقدمية، وبدل أن تعمل على تقوية رصيدها الشعبي، وبناء برامجها التقدمية، فقد عكست المسار في اتجاه عرقلة مسار الديمقراطية بالكامل. في حركة لا يفهم مغزاها، خاصة وان أحلام هذه الأحزاب في الانتصار في الانتخابات القادمة تكاد تكون منعدمة، أمام الحزبين الكبيرين، النهضة والنداء.

الحزب الجمهوري، النواة الصلبة لائتلاف الاتحاد المدني، خير مثال على أزمة التقدميين في تونس.

توصلت أشغال المجلس الوطني الأول للحزب الجمهوري، المنعقد هذا السبت 17 مارس، بمدينة الحمامات، إلى ثلاثة قرارات هامة وهي: ضرورة إعلان انتهاء وثيقة قرطاج لأحزاب التوافق؛ وجوب تحول حكومة الشاهد إلى حكومة تصريف أعمال، مهمتها الوحيدة انجاز الانتخابات البلدية؛ تعهد كل أعضاء حكومة الشاهد، باعتبار رئيسها، بعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019.

والمتأمل في هذه القرارات الثلاثة، سيكتشف بوضوح، يفوق الوضوح، عدميتها، ولا تقدميتها، ومحاولتها وضع الأسافين أمام مسار الديمقراطية في حد ذاتها.

فماذا يعني إعلان انتهاء وثيقة قرطاج؟ انه يعني بكل بساطة قطع شعرة معاوية التي لا زالت تضمن استمرار الدولة والسلم والأمن الوطنيين. فوثيقة قرطاج برغم ما قيل فيها وما سيقال فهي ضمانة ضد الاحتراب والتقاتل. وفي الأول والأخير فهي ظرفية، وستنتهي بانتهاء فوضى السياسة في تونس. لم يقدم الحزب الجمهوري بديلا عن وثيقة قرطاج، والبديل الجاهز هو الفوضى.

وماذا يعني وجوب تحول حكومة الشاهد إلى حكومة تصريف أعمال، مهمتها الوحيدة انجاز الانتخابات البلدية؟ انه اقتراح مناقض تماما للديمقراطية. فكيف نحول حكومة تم التمكين لها من طرف البرلمان المنتخب إلى حكومة بلا قرارات ولا فاعلية؟ وفي أي دولة في العالم، بسبب الانتخابات، تحولت حكومة قائمة إلى حكومة بلا صلاحيات؟ ولو كان هذا الطلب بسبب فشل الحكومة، فالحكومة الفاشلة تقال ولا تحول إلى حكومة تصريف أعمال.

وماذا يعني وجوب تعهد كل أعضاء حكومة الشاهد، باعتبار رئيسها، بعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019؟ إن مثل هذا الطلب يعتبر عارا في أي دولة ديمقراطية تحترم نفسها، ويحترم ساستها أنفسهم. عار لأن الديمقراطية تساوي بين جميع البشر في الحصول على حقوقهم، ولا تسلب أحدا من ممارسة حقه السياسي. وجود الشاهد على رأس الحكومة لا يعني بالضرورة نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وليس مدعاة للقلق المفرط. هذه البدعة السياسية لو تحققت ستمنع كل حلم بالترشح لمنصب حكومي، وهذا احد معوقات الديمقراطية.

تشترك اغلب الأحزاب التقدمية في تونس فيما خلص إليه الحزب الجمهوري وهو ما يكمل الصورة العبثية التي تعيشها البلاد.

أزمة التقدميين، وليس التقدمية، هي الوجه الحقيقي للمسار الديمقراطي المتعثر في تونس. التقدمية لا تزدهر إلا في مناخ ديمقراطي سليم، وهو ما يفترض ضرورة فكرا تقدميا سليما. فهل يعدّل التقدميون في تونس أدائهم السياسي، من اجل تونس أولا وأخيرا؟ والجواب لا، خاصة إذا ربط هؤلاء التقدميون برامجهم بإقصاء حركة النهضة من الحكم.