البرلمان الكويتي بين سن القوانين وممارسة التنجيم

الناخبون ينتظرون من النواب اجراءات مختلفة تماما، ويعتبرون صمت زملائهم عن هذا التهريج يثير علامات التعجب.

يبدو ان هناك لبسا في فهم الوظائف التي يلزم على النواب الكويتيين الاهتمام بها خلال فترة عملهم. فثمة نواب تركوا السعي لإقرار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية وتفرغوا لمزاولة التنجيم في القضايا الصحية والامنية.

قال لي احد الاصدقاء قبل فترة انه يتابع تنبؤات عرافة شهيرة واكتشف بالصدفة تطابق تصريحات أحد البرلمانيين معها. وللإنصاف لم اتابع تنبؤات العرافة، ولكني قرات للنائب تصريحا يتحدث فيه عن أمور غيبية تصلح ان تنطلق من عراف يسكن في بيت مهجور لا من نائب يتحدث من بيت الامة.

لا يخرج عن هذا السياق اولئك النواب الذين اعتبروا ان الفوز بعضوية البرلمان هي شهادة مفتوحة في كل التخصصات العلمية، فاخذوا يجادلون الاطباء في تخصصاتهم الدقيقة، ويكذبون المهندسين في مجالات عملهم، ويناكفون رجال الدين في فتاويهم، في الوقت الذي رهنوا قرارهم السياسي لإرادة غيرهم.

مثل التحذير الذي اطلقه أحد النواب عن التأثيرات السلبية لبعض التطعيمات والعلاجات الطبية على الرغم ان هذه القضية برمتها هي من اختصاص الأطباء والاجهزة الصحية، وليست من اختصاص نائب رشحه الناخبون لسن القوانين والرقابة.

يأتي ذلك من مجلس يتبنى بعض اعضائه ضمن اولوياته المستعجلة اقرار قانون تجريم السحر والشعوذة وادعاء الغيب، فهل سيتم تطبيق العقوبات على النواب الذين يبثون الرعب في المجتمع بتصريحات غير مسؤولة وتدخل بعضها في الرجم بالغيب؟

ولا اعلم صراحة ان كانت هذه الممارسات التضليلية هي جزء من برنامج لتمرير القوانين الفاسدة أو المصالح غير المشروعة، ولكن ما اعرفه ان الناخبين ينتظرون من النواب اجراءات مختلفة تماما، ويعتبرون صمت زملائهم عن هذا التهريج يثير علامات التعجب.

ينتظر الناخبون إجراء من قبيل مكافحة الفساد. ولو استعرضنا الاولويات الـ 15 المعلنة للمجلس، فسوف نفاجئ بغياب محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة من قائمة الاولويات، وسقطت من الاولويات قضية البدون (غير محددي الجنسية)، ولا اعلم ان كان ذلك التجاهل ترضية سياسية ام انهما سقطتا سهوا من اهتمامهم؟

ويخشى الناس ان تكون خارطة الاولويات هي مجرد افكار للتداول دون تنفيذ، وفي مقدمتها الغاء قانون المعاشات الاستثنائية، ووضع سياسات تعليمية، وتعديل هيكل الأجور، وتشريع قانون إسقاط القروض، وتنظيم الوظائف القيادية، واقرار قوانين الإصلاح السياسي.

هذه الحزمة من الاولويات تحتاج آلية عمل محددة لتنفيذها، وذلك حتى لا تكون قرارات المجلس حبيسة قاعاته. ان معرفة تفاصيل واجراءات العمل والشفافية، هو ما ينتظره الناخبون من نوابهم، وهو أبلغ من الحديث عن رش الكوكب بالمواد الكيميائية، او غزو الأرض من قبل كائنات فضائية.