مسيرات الدعم السريع تسقط رهانات الجيش السوداني

الهجمات على بورتسودان تتكرر لليوم السادس على التوالي، ما يعكس تكتيكاً جديداً تتبعه قوات الدعم السريع في الضغط على مراكز النفوذ العسكري للجيش، وبالأخص المدينة التي بقيت حتى وقت قريب خارج دائرة المواجهات المباشرة.
القصف المستمر على بورتسودان يمثل نقلة نوعية في استراتيجية الدعم السريع
يعتقد أن الدعم السريع تمكن مؤخراً من الحصول على دعم عسكري نوعي خاصة المسيرات

الخرطوم - واصلت قوات الدعم السريع قصفها المكثف على مدينة بورتسودان شرقي البلاد، مستهدفة مناطق استراتيجية في المدينة التي تُعدّ المقر المؤقت للحكومة السودانية وقاعدة رئيسية للجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في تطور ميداني يعكس استمرار قدرة الدعم السريع على المبادرة والهجوم رغم الخسائر التي تكبّدها في الأشهر الأخيرة حيث يبدد توازن القوة رهانات الحسم العسكري التيي عول عليها البرهان وقادة الجيش.
وأكد مصدر عسكري "أن الدفاعات الجوية السودانية تعاملت مع عدد من الطائرات المسيّرة التي استهدفت مواقع حيوية في بورتسودان، من بينها منشآت خدمية ومقار عسكرية. وأوضح المصدر أن الهجمات تكررت لليوم السادس على التوالي، ما يعكس تكتيكاً جديداً تتبعه قوات الدعم السريع في الضغط على مراكز النفوذ العسكري للجيش، وبالأخص المدينة التي بقيت حتى وقت قريب خارج دائرة المواجهات المباشرة.
وسُجّلت ضربات في مناطق شمال وغرب وجنوب المدينة، فيما تحدث شهود عيان عن أصوات انفجارات وتحليق مسيرات على ارتفاعات منخفضة، ما خلق حالة من الهلع بين المدنيين، خاصة في أوساط النازحين الذين وجدوا في المدينة ملاذاً آمناً خلال الشهور الماضية.
وتعدّ بورتسودان نقطة ارتكاز رئيسية للجيش السوداني منذ انتقال الحكومة إليها عقب تصاعد المعارك في العاصمة الخرطوم. كما أنها مركز لوجستي مهم لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية، وتضم مقار وكالات الأمم المتحدة ومؤسسات حكومية باتت تعمل من هناك بعد انهيار البنية الإدارية في العاصمة.
لكن القصف المستمر على المدينة يمثل نقلة نوعية في استراتيجية الدعم السريع، ويشير بوضوح إلى أن هذه القوات لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة رغم الضربات الموجعة التي تلقتها في معارك الخرطوم وأم درمان في الأشهر الماضية. ويرجح مراقبون أن الدعم السريع تمكن مؤخراً من الحصول على دعم عسكري نوعي، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة، ما سمح له بتجاوز بعض الخسائر واستعادة زمام المبادرة في أكثر من جبهة.
وتتهم قيادة الجيش الإمارات العربية المتحدة بتوفير هذه الأسلحة لقوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبوظبي رسمياً وأثبت ذلك بالدلائل القاطعة فيما ضبطت في المقابل خلية تقوم بتسليج الجيش بطرق غير قانونية. لكن طبيعة الهجمات وحجم الأضرار التي خلفتها تعزز من فرضية امتلاك الدعم السريع لتكنولوجيا عسكرية متطورة لم تكن بحوزته سابقاً، خاصة في مجال الحرب عن بُعد والاستهداف الدقيق.
منذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023، يعيش السودان واحدة من أسوأ مراحله في التاريخ الحديث، حيث قُتل عشرات الآلاف، وتسبب النزاع في نزوح نحو 13 مليون شخص داخلياً وخارجياً، وسط تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية وانهيار الخدمات الأساسية في معظم المناطق.
ورغم حديث الجيش عن مكاسب ميدانية خلال الأسابيع الماضية في مناطق بالخرطوم وكردفان، فإن استمرار الدعم السريع في تنفيذ عمليات هجومية عالية التأثير، خاصة ضد معاقل استراتيجية مثل بورتسودان، يؤكد أن ميزان القوة لا يميل بشكل حاسم لأي طرف. وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول جدوى الرهان على الحل العسكري.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن تعويل الفريق البرهان على الحسم العسكري لا يحقق تقدماً فعلياً، بل يفاقم من تعقيدات المشهد ويُطيل أمد الحرب. ويشير تصاعد القتال، خاصة في مناطق جديدة ظلت بعيدة عن الصراع، إلى أن الانسداد السياسي ما زال عائقاً أساسياً أمام أي مساعٍ نحو الحل.
ويؤكد محللون أن الحل الوحيد لتجنيب السودان مزيداً من التدهور والانهيار هو العودة إلى طاولة الحوار، والتخلي عن الخيارات العسكرية التي أثبتت فشلها في حسم الصراع خلال عامين كاملين من الحرب. فمع كل جولة جديدة من القتال، تتآكل البنية التحتية، وتتسع رقعة المعاناة الإنسانية، وتضيق فرص بناء مستقبل مستقر للبلاد.