الديمقراطية المريضة بحاجة إلى أكثر من حقنة بايدن

هناك لغو منتظر في “القمة من أجل الديمقراطية” التي دعا الرئيس الأميركي لعقدها عندما يتم اعتبار العراق دولة ديمقراطية، وهو سخف يفوق سخف الوعد السياسي الذي أطلقه بوش بتحويل العراق إلى واحة ديمقراطية في المنطقة.
ماذا عن الشعوب التي وعدت بأنها ستسقى عصير الديمقراطية المنعش والصحي. إنها تعيش اليوم محبطة جراء أشد أمراض الديمقراطية المقترحة من بوش إلى بايدن!

صحيح أن الديمقراطية تمرض، لكن لا تموت، وإذا كانت الولايات المتحدة المثال الأكثر استخداما في الإشارة إلى الديمقراطية، فإنها أكثر من مريضة، إن لم تكن مصابة بالوهن. منذ أن مزقت الديمقراطية نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي خطاب دونالد ترامب علنا أمام الملأ وحتى اقتحام مبنى الكونغرس. كان الجمهوري ترامب قد رفض الأخلاق الديمقراطية برفضه الاستجابة لمصافحتها!

الديمقراطية مريضة، لكنّ السياسيين الأميركيين يرفضون إدخالها إلى غرفة العناية المركزة، منذ أن غابت الحقيقة بشأن الهزيمة المريعة للقوات الأميركية في أفغانستان. وهي أكثر مرضا ومسببة للإحباط عند دول العالم التواقة لها، عندما يعول الرئيس الديمقراطي جو بايدن على ملالي إيران بوصفهم نظاما مقبولا للتحاور معهم وليس دولة مارقة. لذلك لا يتردد خبراء العلوم السياسية في إطلاق وصفة لتجنب الديمقراطية الأميركية كي لا يصابون بأمراض أفغانستان والعراق.

هناك لغو منتظر في “القمة من أجل الديمقراطية” التي دعا الرئيس الأميركي لعقدها يومي التاسع والعاشر من شهر ديسمبر. عندما يتم اعتبار العراق دولة ديمقراطية مفترضة، وهو سخف يفوق سخف الوعد السياسي الذي أطلقه جورج بوش بتحويل العراق إلى واحة ديمقراطية في المنطقة، بيد أنه سرعان ما تحولت تلك الواحة إلى وصفة أميركية صريحة للظلم والفشل.

وجود العراق في مؤتمر بايدن للديمقراطية يعيد إلى الذاكرة صلف سيء الذكر أحمد الجلبي عندما أعلن مبكرا بعد قيادة الترويج لاحتلال بلده والقضاء على مؤسساته الوطنية عام 2003 بأن دول المنطقة لن تسمح بقيام عراق ديمقراطي!

الأمر الذي دفع إيمي هوثورن مديرة أبحاث مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى اعتبار دعوة العراق إلى قمة بايدن للديمقراطية بالمعيبة بدرجة كبيرة وحيث الجوار مع النظام الثيوقراطي الإيراني خصم الولايات المتحدة.

يتحرك بايدن في المنطقة الرمادية من الديمقراطية، مع أن الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة الأميركية أشار إلى أن الهدف من القمة يتمثل في “وضع جدول أعمال إيجابي لتجديد الديمقراطية والتعامل مع أكبر التهديدات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم من خلال تحرك جماعي”.

الديمقراطية بنت نفسها عبر التاريخ على أكثر الألوان وضوحا وتضادا، بينما ديمقراطية الوعود الأميركية مجمدة في مكاتب البيت الأبيض. ماذا عن الشعوب التي وعدت بأنها ستسقى عصير الديمقراطية المنعش والصحي. إنها تعيش اليوم محبطة جراء أشد أمراض الديمقراطية المقترحة من بوش إلى بايدن!

من الواضح أن الإهمال والانطواء الأوروبي الأميركي بشأن جريمة الديمقراطية التي ارتكبت في أفغانستان والعراق، ويتم الإعداد لها في إيران هذه الأيام للقبول بها كعضو في المجتمع الدولي، يكشفان للعالم أن مبادرة بايدن مثيرة للسخرية عندما يسمح للراديكاليين بالوقوف أمام التاريخ والصراخ عن القيم المثالية، وهكذا لم يكن ينقص قمة بايدن إلا القبول بإبراهيم رئيسي ممثلا ديمقراطيا من بلاد فارس في قمة الديمقراطية. بالضرورة ووفقا للأبجدية الإنجليزية سيجلس جوار الممثل العراقي للديمقراطية الوليدة في بلاد الرافدين!

ليس المهم ما هي الدول التي سيسمح لها الرئيس الأميركي بالمشاركة في القمة، ومن تمّ إقصاؤها، الأهمية تكمن في عما إذا كانت “الثرثرة” في تلك القمة ستجعل الدول المستبدة التي أقصيت بما فيها روسيا والصين، ترتعد خوفا. وهل سيظهر قادة الدول المشكوك في مؤهلاتهم الديمقراطية والمرضي عليهم من بايدن، أي نوع من المرونة في ما بعد القمة بشأن التفكير في أدائهم المتعلق بالحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد.

صحيح هناك الكثير مما يمكن أن نمتن له من فوائد توفرها المبادئ الليبرالية عن التبادل السلمي للسلطة وحرية تبادل المعلومات بديمقراطية حرة من الأفكار، لكن اليوم أيضا من السهل أن تشعر بالكآبة بشأن مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، وفق تعبير جينيفر روبين الكاتبة في صحيفة واشنطن بوست، فالرئيس الأميركي بنى فكرة القمة على مبدأ مبسط يكمن في “نحن وهم”، ولم يكن ذلك موضع استياء لروسيا والصين اللتين وصفتا القمة بحفلة لمحض كلام. فتلك الفكرة غير متوافقة مع عالم معقد ومترابط رقميا. تصنيف الدول إلى جيدة وسيئة وفقا للديمقراطية الأميركية محض فشل شهده العالم على مدار العقدين الماضيين. فالولايات المتحدة نفسها تتعامل مع مستبدين ودول لا علاقة لها بالديمقراطية، هل يكفي مثل طالبان هنا، أم القائمة ستمتد إلى إيران ودول أخرى…

فشلت الولايات المتحدة في اختراع دول على شاكلتها، ويحاول بايدن اليوم زرق حقنة في جسد الديمقراطية العليل، فالحرب على الإرهاب حولت حياة شعوب دول إلى مجرد علف لإنتاج عناوين عريضة في الصحف الأميركية تحيي قوة القادة الغربيين وعملهم السريع وعزمهم.

ويبدو السؤال الذي يسبق قمة الديمقراطية أكثر وضوحا في المؤشرات المبكرة عما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة حقا لمراقبة العالم، والتصرف السياسي وفق فلسفة جورج بوش الابن “أميركا تقود العالم”، أم أن عليها استبدال الدبلوماسية الجادة بالقوات المسلحة في تعاملها السياسي مع دول العالم.

ذلك ما دفع المحلل السياسي في صحيفة نيويورك تايمز عزرا كلاين إلى القول إن تفاخرنا بأننا أقدم ديمقراطية في العالم، وهذا صحيح بما فيه الكفاية بالمعنى التقني. ولكن إذا كنت تستخدم تعريفا أكثر حداثة للديمقراطية، وهو تعريف يتضمن حقوق التصويت للنساء والأقليات كشرط مسبق، فنحن إذن إحدى الديمقراطيات الأصغر سنا في العالم.

بينما وصف السويدي ستافان ليندبرغ رئيس معهد الديمقراطية مقولة “أميركا أقدم ديمقراطية في العالم” بالسخيفة.

فلم تصبح الولايات المتحدة دولة ديمقراطية إلا بعد حركة الحقوق المدنية في الستينات على الأقل. وبهذا المعنى، وفق الباحث السويدي، فإنها تمثل نوعا من الديمقراطية الجديدة مثل البرتغال أو إسبانيا.

لذلك على بايدن الاستعداد لفشل علاج الحقنة التي يريد زرقها في جسد الديمقراطية المريض، فتشخيص هشاشة الديمقراطيات هو الجزء السهل من القصة. بينما شعوب العالم تتوق إلى رأب الصدع الذي كان للولايات المتحدة نفسها دور كبير فيه. فلا يزال انعدام الأمن والعداء وسوء الفهم يستمر في الظهور.

اللغو والثرثرة التي ستتلى في القمة سيكونان مساعدا على غفوة جديدة لبايدن النائم، أكثر من استيقاظ الديمقراطية من كبوتها كوصفة أميركية للدول الأخرى.