الرياض وجاكرتا تدشّنان مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي بـ27 مليار دولار

البلدان يؤكدان الرغبة في توسيع التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في قطاع الطاقة، مشددان على أهمية تبادل الخبرات لتطوير البنية التحتية الرقمية وتوفير بيئة محفزة للابتكار.
إندونيسيا تمثل شريكاً مثالياً للمملكة في ملفات الطاقة

الرياض - تعزز المملكة العربية السعودية من حضورها الاقتصادي في شرق آسيا عبر توقيع حزمة جديدة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع إندونيسيا، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 27 مليار دولار، تشمل مجالات حيوية على رأسها الطاقة النظيفة والبتروكيماويات وسلاسل الإمداد.
جاء الإعلان عن هذه الاتفاقيات بالتزامن مع زيارة الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى الرياض، حيث استقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في لقاء عكس مستوى متقدمًا من التنسيق والشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، أن الطرفين ناقشا سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، وأكدا حرصهما على تطوير العلاقات الاقتصادية، بما يعكس تطلعات قيادتي البلدين نحو شراكات مستقبلية مستدامة.
شملت الاتفاقيات الموقعة شراكات بين شركات سعودية كبرى، على غرار "أكوا باور"، مع مؤسسات إندونيسية بارزة مثل صندوق الثروة السيادي "دانانتارا" وشركة الطاقة الوطنية "برتامينا". وتضمنت هذه الشراكات بحث فرص استثمارية محتملة بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار في مشاريع الطاقة المتجددة.
وأوضحت الجهات المعنية أن المشاريع المستهدفة لن تقتصر على الطاقة الشمسية أو الرياح، بل ستركز أيضًا على مشاريع الهيدروجين النظيف وتقنيات الاقتصاد الدائري للكربون، في ظل التزام مشترك من الطرفين بمبادئ التحول المستدام ومكافحة التغير المناخي.

كما أبدى الجانبان رغبة في توسيع التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في قطاع الطاقة، مؤكدين على أهمية تبادل الخبرات لتطوير البنية التحتية الرقمية وتوفير بيئة محفزة للابتكار.
تشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين السعودية وإندونيسيا بلغ نحو 31.5 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة، ما يجعل المملكة الشريك التجاري الأول لإندونيسيا على مستوى الشرق الأوسط.
وتستورد المملكة من إندونيسيا سلعاً متنوعة تشمل المواد الغذائية والمنتجات الصناعية، في حين تعد إندونيسيا من أبرز المستوردين الآسيويين للنفط الخام والمنتجات البتروكيماوية السعودية، وهو ما يعزز من أهمية تعزيز سلاسل التوريد واستدامتها بين البلدين.
التحرك السعودي الأخير نحو جاكرتا لا يمكن فصله عن سياق أوسع تسعى من خلاله المملكة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والاستثماري في منطقة شرق آسيا، التي تشهد نمواً متسارعاً وتعد من أكثر مناطق العالم حيوية من الناحية الاقتصادية والديمغرافية.
ففي ظل رؤية "السعودية 2030"، تعمل الرياض على إعادة صياغة علاقاتها التجارية بعيداً عن التركيز التقليدي على الأسواق الغربية، متجهة نحو تنويع شراكاتها مع الاقتصادات الآسيوية الصاعدة، مثل الصين، كوريا الجنوبية، ماليزيا، وإندونيسيا.
وفي هذا الإطار، تمثل إندونيسيا، باعتبارها أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا وعضواً محورياً في مجموعة العشرين، شريكاً مثالياً للمملكة في ملفات الطاقة، الغذاء، التمويل الإسلامي، والسياحة الدينية، خصوصًا وأن مئات الآلاف من الحجاج الإندونيسيين يزورون المملكة سنوياً.
لا تقتصر آفاق التعاون بين السعودية وإندونيسيا على الطاقة فحسب، بل تشمل أيضاً قطاعات ناشئة مثل الاقتصاد الرقمي، الأمن الغذائي، والصناعات الدوائية. ويُتوقع أن تسهم الاتفاقيات الجديدة في استقطاب استثمارات متبادلة، ونقل التكنولوجيا، وخلق فرص عمل في كلا البلدين.
وتؤكد مصادر اقتصادية أن التناغم في الرؤى بين "رؤية السعودية 2030" و"رؤية إندونيسيا الذهبية 2045" يفتح الباب أمام تنسيق أوثق في ملفات التنمية المستدامة، والابتكار، والتعليم، وتطوير رأس المال البشري.
يمثل الاستثمار السعودي في إندونيسيا جزءاً من استراتيجية أوسع لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يعمل على تنويع أصوله الخارجية والمساهمة في بناء تحالفات استراتيجية في الأسواق النامية، مع التركيز على قطاعات المستقبل، خصوصاً التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
وفي المقابل، تسعى جاكرتا إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للاستثمار والتصنيع، وهو ما يجعلها منفتحة على تدفقات رأسمالية وشراكات جديدة، خاصة مع دول الخليج التي تتبنى توجهات اقتصادية مرنة وطموحة.
تعكس الاتفاقيات السعودية – الإندونيسية الأخيرة تحولاً مهماً في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتؤكد أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانتها كلاعب اقتصادي إقليمي ودولي، قادر على بناء شراكات متوازنة وفعالة في واحدة من أسرع مناطق العالم نمواً.