الشاعرة والإعلامية اللبنانية لوركا سبيتي تفتح نوافذها في حوار البوح

الشاعرة والقاصة والإعلامية تؤكد انها تبحث طيلة الكتابة والقراءة عن أجوبة غير نهائية يسعها الإيمان المؤقت بها حين تحتاج للطمأنينة مشيرة إلى أن ما يقلقها كل من يقتل بأية طريقة كانت حتى لو بالإقصاء أو التهميش، ويبرر هذا القتل.

تربيت في بيت يجلس الشعر على أرائكه مرتاحا ويقيم ضيفا عزيزا، هذا ما صرحت به الشاعرة والقاصة والإعلامية اللبنانية لوركا سبيتي، مؤكدة أنها تبحث طيلة الكتابة والقراءة عن أجوبة غير نهائية يسعها الإيمان المؤقت بها حين تحتاج للطمأنينة، مشيرة إلى أن ما يقلقها كل من يقتل بأية طريقة كانت حتى لو بالإقصاء أو التهميش، ويبرر هذا القتل.

في الحوار تفتح لنا الشاعرة لوركا نوافذها لنتنفس معها هواء البوح من خلال أسئلتنا التي تركناها تعبر هذه النوافذ المشمسة، فكانت هذه الرؤى.

• لوركا سبيتي شاعرة وقاصة وإعلامية وتحمل إجازة في الفلسفة، بماذا تقدم نفسها للقارئ العربي؟

- ذهبت من كتابة الشعر إلى قصص الأطفال ومنهما إلى الإعلام المسموع (اذاعة) في البداية ومن ثم المرئي، لذا أقدم نفسي أولا كشاعرة، الشعر أوسع وأرحب من كل ما قد يوصلك هو إليه، إنه النبع والمجرى والمصب للشعر، يد أمسكت يدي وقطعتني الطريق بأمان، الشعر دواء أخذته دفعة واحدة لأعيش الحياة بجرعات.. اقيم معه على غيمة تقيني حرّ الواقع وترفعني إلى أعلى حيث الوحل أقل واللعبة أخف قساوة، أما عن "الإعلام" فقد حاولت من خلال تجربتي الممتدة حتى الآن أن أضيف معرفة ووعيا وعلما على المشاهد، لأنني أؤمن بأن "التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي" لذا وكما أثر الفراشة ولو نقطة نقطة وكلمة كلمة وفكرة فكرة أقولها وأراكمها ستغير في الإنسان وتحمله نحو الضوء.. سأظل أفعل هذا بصوت لا ينضب. 

• لوركا سبيتي وفيديريكو غارثيا لوركا الإسباني، وأنت من عائلة أدبية وفنية وإعلامية.. التنوع الإبداعي ماذا أضاف لك أدبيا وخاصة أنت تحملين اسم شاعر كبير؟

تربيت في بيت يجلس الشعر على أرائكه مرتاحا ويقيم ضيفا عزيزا، وأبي الشاعر مصطفى سبيتي المثقف الحقيقي والمبدع العامودي قربنا منذ الخطوات الأولى من اللغة العربية فبانت لنا نحن الأطفال خلابة وساحرة وتعلقنا بها عن طريق الشعر تعلقا لا شفاء منه.

ورب بيت الشعر هذا هو الذي سماني على أسمع رفيقه "لوركا"، واسمي سببي الكبير وأكثر معتقداتي حقيقة وهو الواشي الجميل أيضا، ويكاد يكون من الأشياء القليلة المتعلقة بها في حياتي، هو هويتي الواضحة بعدما انتميتُ- ذاتي وأفكاري وأشعاري- إلى اللاانتماء، فلا وطن نهائي لي ولا معتقد ثابت وراسخ ولا فكرة أبدية إلا حظي لحملي اسم للشاعر الكبير غارسيا لوركا الذي أعتبره من الشعراء  الأهم في أوروبا والعالم لأنه من النوادر الذين قتلتهم قصيدتهم (بعدما بتنا في واقع يتفاجأ الشعراء فيه كما الطغاة بالثورات)، وأنا كما لوركا الذي كتب الشعر والمسرح وعزف ورسم فكان متعدد المواهب، كتبتُ الشعر واعتليت المسرح، ومن بعد انجابي لأطفالي ولكي لا أتوقف عن الكتابة إيمانا مني بأن الكتابة لها عضلات تحتاج دوما للتمرين كي لا تترهل، ولأن كتابة القصيدة تحتاج للعزلة ولها مزاجها العنيف- ذهبت لكتابة قصص الأطفال وامتهنتها بعد أن نالت قصتي "لي بدل البيت بيتان"جائزة اتصالات لأدب الأطفال (الشارقة).

• الفلسفة والإبداع، ما العلاقة الجدلية بينهما، لأن المتابع لتجربتك الشعرية يلاحظ جدلا فلسفيا في معترك الحياة؟

يدخل الإبداع في شتى أمور حياتي، وكل ما أقوم به مهما كان بسيطا أو روتينيا، أحاول أن أبدع به وأبتدع منه أشكالا من الجمال إيمانا مني بجدواه  "واصراري على الحب القادر على علاج مشاكل الكوكب" وضرورة تكريس كل أنواع المعرفة لخدمتهما، وذلك كله أتقنه كي أبقى على قيد الدهشة وكي أتحمل سطوة الضجر وإصرار تتالي الليل والنهار، واجترار الوقت لتجاربه وتوقعاته وخذلاناته وانتصاراته وانكساراته، كل هذا يظهر واضحا جليا في نصوصي التي تكاد لا تخلو في سطر منها من "فلسفة" الحياة والموت وما بينهما والحب والعلاقات الإنسانية والتشظي النفسي داخل الفرد الواحد المصرّ على عيش فردانيته في عالم من الثنائيات، أنا أبحث طيلة الكتابة والقراءة عن أجوبة غير نهائية يسعني الإيمان المؤقت بها حين أحتاج للطمأنينة على أن تكون بصلاحية محددة. 

الشاعرة والإعلامية اللبنانية لوركا سبيتي
الشاعرة والإعلامية اللبنانية لوركا سبيتي

• تكتبين القصيدة النثرية، ثمة جدل قائم حول مشروعية هذا الشكل الإبداعي بالرغم من حضوره الطاغي في معظم المهرجانات والملتقيات.. بماذا تعلقين؟

في الحقيقة أنا لست ممن يدافعون عن الشكل "على الرغم من اهتمامي بشكلي، مع ضحكة" بل أفتش دوما عن المعنى في عالم أخذته الصورة إلى إطارها وعلقته بمسمار، أنا مع داخل النص ودواخله، مع الدخيلة والسريرة والنية والباطن، لا مانع عندي لو وضع كل هذا في صدر وعجز أو في قالب كيك لذيذ أو في حساء يذوب فيه كل مكوناته ليصبح مادة واحدة دسمة ومغذية، حين جاء "بيكاسو" بالرسم التكعيبي اتهمه الناس بالجنون أو أقله باستغباءهم ولكن رده حسم الجدل: "ما دمت أستطيع الرسم كرافاييل فيحق لي أن أرسم ما أشاء"، وأنا أقول مثله واتحدى بنصي  الحر والصادق كل من ينصّب نفسه مشرعا أو فقيها لما يجوز وما لا يجوز. 

• ثمة جرأه وكشف عن المخبوء في نصوصك الشعرية.. أي فلسفة أزحت من خلالها الستار عن المسكوت عنه؟

يُقال عني في السرّ وفي العلن بأنني شاعرة جريئة، والكثير ممن كتبوا عني أو قدموني عبر مسيرتي الشعرية، كتبوا في مقدماتهم التي فيها الكثير من التقدير لشخصي، بأني شاعرة جريئة، وهذا طبعا تحببا واشارة لتميز نصي الأنثوي، ولكني أود هنا أن أسأل: هل هناك شاعر ليس جريئا؟ وهل يسمى الشعر شعرا إن توارى خلف ما يريد قوله، وخوفا مما قد يقال عنه؟!

خلف كل المنابر وفي كل المدن التي زرتها وأمام أي جمهور صوتي  واحد حر صادح وواضح.. أحكي عني كما أنا بكل أبعادي حتى تلك المملة منها.

• ما الذي يقلق الأديبة لوركا سبيتي في هذا الكوكب؟

القلق العام والقلق الخاص، قلقي يتمشى ما بين الكون الداخلي والخارجي، أما ماذا سأقول لك عن قلقي المَرَضي الراضي والمرْضي، هو الأقرب اليّ من بين كل ما قد أعانيه والذي بالرغم من أوجاعه وازعاجاته لا أريد أن اُشفى منه، به أكتب وبسببه أبقى رهن خيالي الأجش، قلقي ليس طارئا بل من السكان الأصليين، أقلق من كل شيء، من كل ما حدث وما قد يحدث، وأقلق مما لا  يحدث أيضا،.. كتبت قصيدة حقيقية جدا عن القلق جسدته كما يليق به أن يكون أسميتها "القلق الكلب"، أما عن هذا الكوكب "المدمى" الذي نعيش عليه ولا نسكن إليه يقلقني كل من يقتل بأية طريقة كانت حتى لو بالإقصاء أو التهميش، وكل من يبرر هذا القتل.