الصدر يحرك أنصاره لتفكيك الاحتجاجات بعد اتهامه بالخيانة
بغداد - دعا مقتدى الصدر رجل الدين العراقي الشيعي النافذ وزعيم التيار الصدري الجمعة، أنصاره إلى استئناف ما وصفها بـ"الثورة السلمية' في العاصمة بغداد للضغط على القوى السياسية لتشكيل الحكومة ومحاسبة الفاسدين، في دعوة تأتي قبل يوم واحد من مهلة منحها الرئيس العراقي برهم صالح للكتل البرلمانية لتقديم مرشح توافقي لرئاسة الحكومة يكون مقبولا شعبيا وقادرا على إدارة المرحلة.
ويوجه الصدر عادة بوصلته حسب اتجاهات موازين القوى متقلبا بين أكثر من موقف في ما يتعلق بالقضايا المحلية والإقليمية، فمرّة يناصر المحتجين ويهاجم الحكومة ومرة أخرى يدعو فيها أنصاره وأنصار الحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية موالية لإيران للتهدئة.
وقدم نفسه وطنيا قوميا يريد تحصين العراق من التدخلات الخارجية فتقرب من السعودية في محاولة لإظهار تناغمه مع موقف الرياض الرافض للتدخلات الإيرانية في المنطقة، ثم سارع مجددا للحضن الإيراني في ذروة تحرك طهران لإخماد الحراك الشعبي في العراق.
لكن دعوته الجمعة لاستئناف المظاهرات السلمية في العاصمة بغداد القلب النابض للحراك الشعبي الرافض للنفوذ الإيراني ولنخبتها السياسية في العراق، تشير إلى محاولة لاستعادة الشارع الذي سبق أن حركه في السنوات الأخيرة خدمة لمصالحه تحت عنوان التصدي للفساد.
وتأتي دعوته أيضا بينما فقد تأثيره على النسيج المجتمعي العراقي بكل مكوناته المذهبية والطائفية وبعد أن فقد ثقة الشارع على مدى أشهر من الاحتجاجات العابرة للطائفية.
وبعد خطبة المرجعية الدينية مباشرة التي انتقدت بشدة استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، نشر الصدر بيانا على تويتر يدعو أنصاره للعودة إلى الشارع مجددا في مزايدة تهدف لاستعادة زمام المبادرة والتحكم في حراك سبق أن اتهمه بـ"الخيانة".
وكان زعيم التيار الصدري قد دعا إلى تظاهرة الجمعة الماضي شارك فيها الآلاف للتنديد بالوجود الأميركي في البلاد أعلن بعدها أنه لن يتدخل بالحراك المطلبي "لا بالسلب ولا بالإيجاب"، ما صنع شقاقا في الشارع وحتى بين مؤيديه.
وقال في تغريدته "أجد من المصلحة أن نجدد الثورة الإصلاحية السلمية وذلك من خلال مظاهرة شعبية سلمية حاشدة في العاصمة" و"اعتصامات سلمية حاشدة قرب المنطقة الخضراء".
واستهل بيانه بالقول "مرة أخرى فشل السياسيون بتشكيل حكومة غير جدلية ومازال بعضهم يماطل في تحقيق مطالب المتظاهرين المحقة بل مطالب الشعب المشروعة وهي: محاكمة الفاسدين بقضاء نزيه ومفوضية انتخابات مستقلة واقرار قانون الانتخابات المنشود وتشكيل حكومة غير جدلية وغير تبعية بوزراء مستقلين لا حزبيين ولا طائفيين ولا فئويين ولا ميليشاويين واستقلال العراق وسيادته"، معددا المطالب الشعبية.
وهدد بخطوات تصعيدية في قادم الأيام، موجها أيضا أنصاره بضرورة الانضباط والسلمية وعدم إغلاق الطرقات والمؤسسات التعليمية والخدمية.
كما دعا أنصاره إلى الاصطفاف مع المتظاهرين المتواجدين منذ أشهر في ساحات بالعاصمة العراقية وأهمها ساحة التحرير.
ولا يتحرك الصدر عادة من فراغ ولا يمكن أن ينظر لدعوته الأخيرة خارج سياقات مصالحه والسعي مجددا للتموقع السياسي.

وبدأ التيار الصدري بالفعل الحشد للمشاركة في المظاهرة حيث أطلق قادة مقربون من الصدر على منصات التواصل الاجتماعي دعوات أو عبروا عن تجاوبهم مع النداء الذي يأتي في ذروة الحراك الشعبي وفي خضم انسداد سياسي.
وعلى اثر الدعوة التي اطلقها الصدر علّق أبودعاء العيساوي الذي يعتبر مستشاره العسكري بالقول في تغريدة على حسبه بتويتر "التحرير ...صهوة العراق، ونحن فرسانها. الخضراء رئة العراق، وشعبه أنفاسها... سنصرخ من التحرير، كلا للفساد.. فيهبّ نسيم الحرية من التحرير إلى الخضراء، لينهض العراق سالما منعما".
وكان ائتلاف سائرون بزعامته والذي حل الأول في الانتخابات التشريعية الماضية قد أعلن أنه لم يدخل في أي مشاورات مع الكتل السياسية الأخرى وأنه يفضل أن يختار الرئيس العراقي برهم صالح مرشحا لرئاسة الوزراء.
ويريد الصدر على الأرجح أن يظهر كأنه ليس جزء من الانسداد السياسي الحالي ولا الخلافات القائمة بين القوى السياسية بسبب المحاصصة الحزبية.
وينص الدستور في الحالة الطبيعية على أن تسمي الكتلة البرلمانية الأكبر مرشحا لرئاسة الوزراء في غضون 15 يوما من الانتخابات التشريعية. ثم يكلف رئيس الجمهورية رئيس الحكومة بتشكيل حكومته في غضون شهر واحد.
لكن الدستور لا يتطرق في بنوده إلى إمكانية استقالة رئيس الوزراء. وبالتالي فقد تم تخطي فترة الـ15 يوما منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع.
وسيحتاج أي مرشح إلى مصادقة الكتل السياسية المنقسمة ومن المرجعية الدينية الشيعية الأعلى ومن إيران وعدوتها الولايات المتحدة، إضافة إلى موافقة الشارع المنتفض منذ نحو أربعة أشهر. وعلى ضوء هذه التطورات يبقى المشهد العراقي منفتحا على المزيد من التعقيدات
وقد رفض الشارع عددا من الأسماء التي تم تداولها في الآونة الأخيرة ومنها وزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي، فيما رفع الجمعة لافتة كبيرة أعلن فيها رفضه ترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي.
وبات متداولا أن الكاظمي هو مرشح رئيس الجمهورية الذي يناور به في وجه انقسام الأحزاب.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول، أعلن صالح استعداده لتقديم استقالته بعد رفضه حينها تقديم مرشح التحالف الموالي لإيران محافظ البصرة أسعد العيداني لمنصب رئيس الوزراء إلى البرلمان، معتبرا أنه شخصية "جدلية".
وقال مسؤول حكومي كبير إن أحد أسباب استمرار الجمود هو غياب الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس اللذين قتلا في غارة أميركية بطائرة مسيرة فجر الثالث من يناير/كانون الثاني في بغداد. وكانا مؤثرين جدا في التوسط بالاتفاقات السياسية بين الأحزاب.