النهضة تنفصل عن الواقع المتأزم وترقص في ذكرى تأسيسها

كأن أزمات تونس المتشعبة وأزمات النهضة الداخلية والخارجية لا تعني الغنوشي في شيء.
الغنوشي يمارس سياسة الهروب إلى الأمام ويحتفل بذكرى تأسيس النهضة
تونس

تحيي حركة النهضة الإسلامية في تونس الاثنين الذكرى الـ41 لتأسيسها. وشتان ما بين احتفالات الأمس واحتفالات اليوم. فالنهضة تمر اليوم بأسوأ مراحلها وتعيش أزمات داخلية وخارجية ربما لم تعشها حتى في زمن العمل السري.
وأشرف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يوم الأحد في مدينة صفاقس الواقعة بالجنوب التونسي على احتفالات الحركة بذكرى التأسيس التي تصادف السادس من يونيو/ حزيران من كل سنة.
وقبلها بيوم، استقبل الغنوشي بمقر الحركة بالعاصمة التونسية عددا من قيادات النهضة للاحتفال وسط أجواء صاخبة أحيتها فرقة "أولاد الجويني" الموسيقية المعروفة في تونس بأهازيجها الشعبية الراقصة.
واستهجنت المحللة السياسية منية العرفاوي هذا الجانب من الاحتفالات، وقالت لـ"ميدل إيست أونلاين" إن "من المخزي أن يحتفل الغنوشي بتلك الطريقة في يوم عاصف في تاريخ تونس" حيث تزامنت احتفالات النهضة مع انطلاق أولى جلسات الحوار الوطني وتصاعد الجدل على خلفية إعفاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد 57 قاضيا، فضلا عن العنف الممارس ضد ما يسمى بجبهة الخلاص في مدينة دقاش (جنوب غرب تونس). وعلقت العرفاوي بالقول "غريب أمر الغنوشي ومؤيديه كأن أزمات تونس لا تعني حركته".
 

كان حريا بالغنوشي أن يستوعب أن اللحظة الراهنة هي لحظة نضالية وليست احتفالية يمارس فيها سياسة الهروب إلى الأمام 

وفي الحقيقة يبدو أنها ليست أزمات تونس فقط هي التي لا تعني الغنوشي بل حتى أزمات حركته الداخلية التي تعاني من انقسامات تفاقمت بعد 25 تموز/يوليو الماضي التي أطاحت بالنهضة من على سدة الحكم.
وقال الغنوشي في احتفالية صفاقس إن" كل ما بُني على فساد فهو فاسد وكل ما بُني على باطل فهو باطل والعملية الآن واضحة بأنها عملية مكيّفة".
وأضافت العرفاوي أنه "كان حريا بالغنوشي أن يستوعب أن اللحظة الراهنة هي لحظة نضالية وليست احتفالية يمارس فيها سياسة الهروب إلى الأمام وتتمسح فيها بطانته بجلباب الشيخ للتبرك في لحظة تجاهل للتحولات العميقة التي تشهدها الأحزاب الأيديولوجية في العالم بأسره وليس في تونس فقط والمهددة بالانقراض سواء كانت يمينية أم يسارية".
ويذهب البعض إلى أن اللحظة هي لحظة للمراجعة والمحاسبة داخل حركة النهضة حول ما فعلت الحركة بنفسها وما فعلت بتونس خلال عقد من الزمن.
ودأبت حركة النهضة منذ الثورة التونسية على تنظيم احتفالات صاخبة تجوب مختلف أرجاء البلاد يعرب من خلالها الغنوشي عن أن "ولادة حركة النهضة الإسلامية تمثل حدثا مهما، بل يمكن اعتبارها من أعظم أحداث هذه البلاد"، على حد تعبيره في احتفالية الذكرى الـ32 لتأسيس النهضة عام 2013 التي ذكر فيها أيضا أن الحركة "تقوم على التجديد الفكري في الإسلام وتقدم بدايات لمشروع فكري حضاري ينطلق من القيم الإسلامية".
 

تونسيون استنكروا إهمال النهضة في الماضي لأعياد بلادهم الوطنية 

ويرى محللون أن النهضة كانت في كل احتفالية سنوية تذكّر التونسيين بلهجة الانتصار والخيلاء بأن مشروعها العقائدي هو الأصلح بهم بعيدا عن المشروع الحداثي الذي أسسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
وكان شق واسع من التونسيين يستنكر في السنوات الماضية تعمد حركة النهضة إهمال الاحتفالات بالأعياد الوطنية كعيد الاستقلال وعيد الجمهورية بينما تصر على الاحتفالات الكثيرة الصاخبة في ذكرى تأسيسها.
ويعود آخر ظهور للغنوشي وهو بين أنصاره الى يوم 21 شباط/فيراير 2021 في تظاهرة حاشدة بالعاصمة ثم وقف بعدها فجر الـ26 من يوليو الماضي عند أسوار البرلمان المغلق محاولا الدخول عنوة لكن قوات الأمن منعته تنفيذا للتدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية والقاضية بتجميد عمل البرلمان.
واليوم يعود الغنوشي، الممنوع مؤخرا من السفر،  للظهور الشعبي بين أنصاره للاحتفال. وترجح العرفاوي أن تستمر الاحتفالات طيلة هذا الأسبوع مع أن الذكرى "هي للطميات على وضعنا البائس وليست للاحتفال".
وتأسست النهضة سرا عام 1972 تحت اسم حركة الاتجاه الإسلامي لتعلن عن نفسها رسميا في السادس من يونيو/حزيران عام 1982. وفي فبراير 1989 غيرت الحركة اسمها إلى النهضة لضمان عدم التعارض مع قانون الأحزاب التونسي الذي يحظر تأسيس حزب على أساس ديني. ولم تنل الاعتراف الرسمي بها إلا بعد الثورة في 2011 لتتقلد السلطة في حقبة شهدت أزمات وإخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية فضلا عن دخول البلاد في دوامة العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية.