تعنت أردوغان يدفع بتركيا للكارثة مع تسارع انتشار كورونا

تركيا تسجل 34 ألفا و209 إصابات و725 وفاة بكوفيد-19 وفق أرقام رسمية، لتحتل المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر تأثّرا بجائحة كورونا.

إسطنبول - يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات متزايدة من قبل المعارضة والأتراك عموما لرفضه فرض إغلاق شامل في البلاد التي أصبح فيروس كورونا المستجد ينتشر فيها بشكل متسارع ومخيف، حيث تخشى حكومة حزب العدالة والتنمية انهيار الاقتصاد الذي يعاني أصلا منذ سنوات.

وبعد أسابيع من التراخي ورفض اتخاذ إجراءات استباقية للوقاية من الفيروس المستجد رضخ أردوغان للواقع بعد ان بدأ عدد الإصابات يرتفع منتصف مارس الماضي، حيث أعلن عن سلسلة إجراءات صارمة شملت حظر التجمّعات ووضع قيود على السفر بين المدن وإلزام السكان بارتداء الأقنعة الواقية في أنحاء البلاد، إلا أنه قاوم الدعوات إلى تطبيق عزل تام.

وبعد مواصلد تأكيدات أردوغان وحكومته بأن "الوضع تحت السيطرة"، أصبح تركيا اليوم تحتل المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر تأثّرا بالجائحة، حيث سجلت 34 ألفا و209 إصابات و725 وفاة بكوفيد-19 وفق أرقام رسمية صدرت الثلاثاء.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق في تركيا التي سجّلت أول إصابة رسميا في 11 آذار/مارس، هو سرعة انتشار المرض. ويتضاعف عدد الإصابات كل عدة أيام. فبعدما كان عدد الإصابات 7400 في 28 آذار/مارس، بلغ 15 ألفا في الأول من نيسان/أبريل، ليتجاوز 30 ألفا الاثنين، وفق الأرقام الرسمية.ال

ومنتصف مارس/آذار، سارعت الحكومة لاتّخاذ إجراءات في أرجاء البلاد من إغلاق المدارس والمراكز الثقافية وصولا إلى تعليق الرحلات الجوية من وإلى الدول المتأثّرة بالفيروس.

وتم تشديدها تدريجيا مع صدور أمر بعزل الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما وتقل عن العشرين، بينما فرض حجر في عدة بلدات وقرى.

وأكد وزير الصحة فخر الدين قوجة بنبرة مطمِئنة الثلاثاء أن معدل اشغال وحدات العناية المركزة يبلغ حوالى 60 بالمئة.

لكن مع ازدياد عدد المصابين، ارتفعت أصوات تؤكد وجوب فرض إغلاق شامل على غرار ما قامت به إيطاليا وفرنسا.

وقال طبيب يعالج مرضى مصابين بالفيروس في قسم العناية المشددة في أحد مستشفيات اسطنبول طالبا عدم الكشف عن هويته "على الجميع البقاء في منازلهم. يجب أن يصبح ذلك إلزاميا". وأضاف "يصلنا المزيد من المرضى كل يوم. سنصل قريبا إلى الحد الأقصى لقدرتنا الاستيعابية".

وهو ما يتناقض مع ما صرح به أردوغان في وقت سابق حين قال "ليس لدينا أي مشاكل في التشخيص والعلاج في مستشفياتنا، حتى الآن لم نواجه أي مشاكل كبيرة من حيث الرعاية الصحية وتأمين الأغذية ومواد التنظيف أو من حيث السلامة العامة".

وحضّت أحزاب المعارضة و"نقابة أطباء تركيا" وغيرها من النقابات الحكومة على تشديد الإجراءات لردع الناس عن مغادرة منازلهم.

وقال سنان أديامان رئيس نقابة أطباء تركيا التي تعد الرابطة الطبية الرئيسية في البلاد، لوسائل إعلام تركية هذا الأسبوع "سيكون من المستحيل السيطرة على هذا الوباء إذا واصل ملايين الناس (...) الذهاب إلى عملهم".

ال
الأتراك يبادرون لحماية أنفسهم قبل الاقتصاد

والأسبوع الماضي، دعا رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو إلى فرض عزل تام في عاصمة البلاد الاقتصادية حيث تم تسجيل أكثر من نصف الإصابات بكوفيد-19 على مستوى تركيا.

وقال "حتى إذا خرج 15 بالمئة فقط من السكان من منازلهم، فسنصل سريعا إلى عدد مليوني (مصاب) يمكن أن يزيد من حجم التهديد".

حضّ إردوغان حتى الآن الأتراك على فرض "حجر طوعي" على أنفسهم بدلا من أن يصدر أمرا يجبرهم على ملازمة منازلهم، محاولا عدم تجميد نشاط الاقتصاد الهش أصلا والذي يمر في مرحلة تعاف بعد سنوات من الأزمات.

وقال الأسبوع الماضي إن "تركيا ملزمة بمواصلة الإنتاج وإبقاء عجلة الاقتصاد تدور مهما كانت الظروف".

وبانتظار أي تشديد للإجراءات، اتّخذ العديد من الأتراك إجراءات احترازية من تلقاء أنفسهم. وباتت معظم شوارع اسطنبول المكتظة عادة شبه مهجورة، بما فيها شارع الاستقلال.

وامتنع العديد من الأتراك عن مغادرة منازلهم حتى أن بعضهم عاد للعادات القديمة المتمثلة بإنزال سلل من النوافذ للحصول على حاجياتهم، بينما اعتمد آخرون على خدمات إيصال الطلبات.

وأشاد الطبيب في مستشفى اسطنبول بالحكمة التي أظهرها الأتراك و"الإجراءات الجيدة" التي اتخذتها الحكومة لجهة زيادة عدد فحوص كوفيد-19 لتصل إلى أكثر من مئتي ألف حتى الآن.

لكنه حذّر من أنه "إذا تواصل ارتفاع عدد الإصابات بهذه الوتيرة، فستكون النتيجة كما شهدنا في دول أخرى: خسارة العديد من الأرواح. أضعنا حتى الآن الكثير من الوقت".

وبدأ البرلمان الثلاثاء مناقشة مشروع قانون رعته حكومة حزب العدالد والتنميد الذي يتزعمه أردوغان للإفراج عن نحو ثلث المعتقلين في سجون البلاد المكتظة في إجراء وقائي للحد من تفشي الفيروس.

لكن هذه الخطوة واجهتها انتقادات كبيرة من قبل الجماعات الحقوقية بسبب استثناء سياسيي المعارضة والصحفيين والأكاديميين وموظفي الخدمة المدنية والمحامين المنسوب إليهم اتهامات تتعلق بـ"الإرهاب" من مشروع القانون الذي يسمح بالإفراج المبكر.

ال

ولا ينطبق مشروع القانون الذي تقدم به حزب أردوغان على من هم رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة من بينهم معارضين أكراد وآلاف اعتقلوا في حملة تطهير أعقبت محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس التركي عام 2016.

وتم سجن عشرات الآلاف من موظفي الحكومة والمسؤولين القضائيين والعسكريين والصحفيين والساسة خلال تلك الحملة.

وقال نائب برلماني معارض إن القانون الجديد يستبعد نحو 50 ألفا من بينهم الزعيم السابق لثاني أكبر حزب معارض في البلاد وصحفي بارز لاتهامهم أو إدانتهم بتهم تتعلق بالإرهاب.

وما زال الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي التركي المؤيد للأكراد صلاح الدين دمرداش مسجونا منذ ثلاثة أعوام ونصف العام بتهمة قيادة تنظيم إرهابي.

وبحسب محاميه، فإن دمرداش (46 عاما) يواجه خطرا كبيرا بأن يصاب بمرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا، لأنه مصاب بارتفاع ضغط الدم وخضع لعملية جراحية بسبب مشاكل في التنفس.

وقال المحامي محسوني كارامان إن معتقلين بارزين آخرين، ومن بينهم الكاتب أحمد ألتان والمدافع عن الحقوق المدنية عثمان كافالا، وكلاهما جاوز الستين من عمره، يواجهون الخطر نفسه.

ونقل دمرداش إلى المستشفى في ديسمبر كانون الأول الماضي بعد أيام من فقدانه للوعي عقب شعوره بآلام في الصدر. وكان فريق الدفاع عنه قد تقدم بطلب الأسبوع الماضي للإفراج عنه بسبب حالته الصحية.

وأدت الحملة الأمنية منذ عام 2016 إلى ارتفاع عدد السجناء إلى ما يقرب من 300 ألف سجين، وهو ثاني أكبر عدد من السجناء في أوروبا وأكثر أنظمة السجون ازدحاما، وفقا لبيانات من مجلس أوروبا.