فرنسا تطرد دبلوماسيين جزائريين في تصعيد متبادل
باريس - في تطور جديد للأزمة الدبلوماسية بين باريس والجزائر، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الأربعاء، أنها قررت طرد عدد من الجزائريين الحاملين لجوازات سفر دبلوماسية، والذين دخلوا الأراضي الفرنسية دون تأشيرات، وذلك في رد مباشر على قيام الجزائر بطرد 15 مسؤولًا فرنسيًا خلال الأيام الماضية.
وبحسب بيان صادر عن الخارجية الفرنسية، فقد تم استدعاء القائم بالأعمال الجزائري لدى باريس لإبلاغه بالقرار، مع تأكيد أن فرنسا "تحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات إضافية حسب تطورات الوضع". ورغم أن البيان لم يحدد عدد الدبلوماسيين الجزائريين المعنيين بالطرد، إلا أن القرار يعكس تحولًا واضحًا في موقف باريس تجاه ما تصفه بـ"الاستفزازات الجزائرية المتواصلة".
باريس ترد على الاستفزازات الجزائرية المتواصلة
ويأتي هذا التطور ضمن سلسلة من التوترات المتراكمة في العلاقات بين البلدين، والتي ازدادت حدتها منذ أن أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه الصريح للمغرب في قضية الصحراء المغربية، ما اعتبرته الجزائر تدخلًا غير مقبول في ملف يعتبر من أولويات سياستها الخارجية.
وأنهى التصعيد الأخير، الذي شمل تبادل الطرد بين البلدين، بشكل فعلي أي أمل في إعادة بناء الثقة، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو للجزائر الشهر الماضي، والتي اعتُبرت حينها بادرة تهدئة. غير أن زيارة بارو لم تُثمر عن تهدئة حقيقية، بل تبعها بيوم واحد قرار الجزائر بإجبار فرنسا على ترحيل موظفين تم تعيينهم، "في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها"، مما فجّر مجددًا الخلافات القديمة.
وشددت السلطات الفرنسية، وفي أكثر من مناسبة، على أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه ما تعتبره تجاوزات من قبل النظام الجزائري، سواء على مستوى الملفات الثنائية أو الإقليمية. وقد أكد عدد من الوزراء الفرنسيين أن باريس ستنتهج سياسة دبلوماسية "حازمة وواضحة" في التعامل مع الجزائر، تقوم على أساس الندية واحترام الاتفاقيات، بعيدا عن المجاملات السياسية التي طبعت العلاقة خلال العقود السابقة.
ويبدو أن فرنسا تسعى لتأسيس مرحلة جديدة في علاقاتها مع الجزائر، تقوم على قرارات مدروسة تستجيب لتصرفات الطرف الآخر، لا سيما في ظل ما تعتبره باريس استهدافا مباشرا لمصالحها في المنطقة.
في المقابل، يعتقد أن الجزائر تبدو الخاسر الأكبر من هذا التصعيد الدبلوماسي، خاصة مع تزايد التوتر بينها وبين عدد من الدول في المنطقة، مثل المغرب وإسبانيا، إضافة إلى تعقّد علاقاتها مع شركاء تقليديين في الساحل الأفريقي. ويؤكد محللون أن استمرار هذا النهج التصادمي يعمّق من عزلة الجزائر ويقلّص من فرصها في لعب أدوار إقليمية أو دولية مؤثرة.
ووفق نفس المصادر، فإن الجزائر بهذا السلوك تغلق فعليًا الباب أمام أي فرص لتحسين علاقاتها مع فرنسا، الأمر الذي يعكس حجم المأزق السياسي والدبلوماسي الذي تعاني منه السلطة الجزائرية، نتيجة قرارات متشنجة وتصريحات غير محسوبة، لا تخدم المصالح الفعلية للشعب الجزائري.
ومع تحوّل العلاقة الفرنسية-الجزائرية من الشك المتبادل إلى الصدام المفتوح، يبدو أن مرحلة جديدة بدأت ترتسم في المشهد الدبلوماسي، تفرض على الطرفين مراجعة حساباتهما. لكن بينما تبدو فرنسا واثقة من خطواتها ومتماسكة داخليًا في قراراتها، تواجه الجزائر تحديًا داخليًا وإقليميًا متزايدًا في ظل ما يصفه مراقبون بـ"انعدام الرؤية الاستراتيجية".
وإذا استمر التصعيد على هذا النحو، فإن المشهد مرشح لمزيد من التوتر والانغلاق، ما لم تظهر مبادرات جدية لإعادة بناء الثقة وفق أسس جديدة.