تغيير المنطقة عن طريق الإسلام السياسي

"هل يكرهوننا إلى هذه الدرجة؟" إنهم سجناء فكرة قديمة عنا لم تتغير.

لم تعبر أوروبا ولا الولايات المتحدة عن قلقهما تعليقا على اعتقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة غير أن هناك خوفا على الحريات العامة عبر عنه غير طرف غربي.

ذلك أمر حسن وتطور لافت في الموقف من المنطقة التي أريد لها أن تسقط في هاوية الإسلام السياسي ولم يكن الربيع العربي سوى المناسبة التي انتقل فيها المخطط من الفكرة إلى الواقع. تلك فكرة قديمة، كان لورنس العرب قد جسدها من خلال مقولته الشهيرة "هذه بلاد لا تصلح إلا لصناعة العقائد" وهي مقولة صارت في ما بعد منهاجا.

كانت جماعة الاخوان المسلمين قد تأسست عام 1928 برعاية بريطانية ليكون مستقبل مصر بين يديها وهو ما حدث عام 2012 بالرغم من أنها كانت مناهضة للاحتلال البريطاني. كان ذلك الوضع المزدوج ضروريا لكي تأخذ الجماعة طريقها داخل المجتمع المصري.

وحين سقط حكم الاخوان في مصر عام 2013 كان هناك فراغ في الموقف السياسي الغربي، لم يسع أحد إلى ملئه في انتظار التطورات. كانت الصدمة قوية لصناع القرار المتخصصين بشؤون المنطقة التي لو نجح الاخوان في حكم مصر لكانت قد تصدعت وبانت فجائعها أكثر مما هي عليه اليوم.

وفي ظل التغيرات الهائلة التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في انماط الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في بلده وتحييده بشكل لا رجعة فيه سلطة رجال الدين فإن الأمور في المنطقة جرت بطريقة صادمة وبالأخص بعد هزيمة الجماعات والتنظيمات الارهابية التي قاتلت في سوريا واندحار حركة النهضة في تونس.

كل ذلك لم يلق ترحابا من الغرب. من وجهة نظرهم هناك لا يستحق العرب أن يندمجوا في الحياة العالمية إلا باعتبارهم مستهلكين. أما أن يكونوا صناعا لفكرتهم عن الحداثة التي تليق بهم فإن ذلك يعد من الممنوعات. كانوا قد رحبوا بمحمد مرسي غير أنهم كانوا حذرين حين انقذ عبدالفتاح السيسي مصر من فوضى الاخوان.

عشر سنوات مرت على تونس وهي تغطس يوما بعد آخر في الفوضى بسبب فساد رموز حركة النهضة التي حكمت بطريقة ثأرية، غطاؤها الدين. اما حين تم انتخاب قيس سعيد وهو امتداد لعصر النهضة التونسي الذي بدأ مع الحبيب بورقيبة فإن الموقف الغربي لم يكن ايجابيا.

عمليا فإن مشروع تغيير المنطقة عن طريق الإسلام السياسي قد مُني بفشل ذريع. وإذا ما كانت إيران لا تزال تحظى برعاية غربية خاصة بغض النظر عما يُقال عن العقوبات الأميركية فإن دورها في المنطقة يتراجع مع فشل عملائها في إدارة ملفاتها في الدول التي نجحت في الهيمنة عليها، اليمن والعراق ولبنان.

وقد يبدو أمرا غريبا أن الغرب الذي يرعى إيران بحنان لا تقبله السياسة يملك مصالح في العالم العربي لا يملك عشرها في إيران. لكن حين تتاح لنا فرصة مراجعة الملفات السياسية لا نجد غرابة في ذلك الموقف. فإيران التي كانت محتضنة اميركيا في عصر الشاه لا تزال تحظى بعناية الأجهزة الأميركية صاحبة القرار. بل أنها اليوم تمثل ما تبقى من المشروع الغربي في المنطقة. وهو أمر مؤسف في كل الأحوال. غير أنه حقيقي وما على العرب سوى التعامل معه بواقعية.

فبالرغم من كل الخطر الذي يشكله سلاح حزب الله على مستقبل لبنان وسلامة وأمن سكانه فإن طرفا واحدا في الغرب لم يندد بوجود ذلك السلاح وما يمثله من هيمنة إيرانية. وحين حدث انفجار بيروت، كانت كل القرائن تشير إلى مسؤولية الحزب عنه ومع ذلك لم نسمع صوتا يدينه. يشعر المرء كما لو أن الغرب وفرنسا في مقدمته لا يريد لبنان التاريخي بحريته، بل يريد لبنان المتخيل بعمامته.

أما كان في إمكان الولايات المتحدة أن تفرض في العراق نظاما أقل تخلفا من النظام الحالي الذي لا يهمه مصير الشعب العراقي بقدر ما يهمه اخلاصه للمذهب الذي يقربه من إيران؟ ذلك سؤال حير الكثيرين ممَن كان لديهم أمل في أن يشكل الاحتلال خلاصا. ولكن ذلك الأمل الخائب اصطدم بحقيقة أن الولايات المتحدة حين احتلت العراق كانت تنوي أصلا فصله عن محيطه العربي وحين كتبت دستوره الجديد ألغت الفقرة التي تنص على عروبته.  

"هل يكرهوننا إلى هذه الدرجة؟" إنهم سجناء فكرة قديمة عنا لم تتغير. تلك فكرة تضعنا في قائمة الشعوب القليلة التي لا تزال الأديان تحكمها. وهو ما يناسب حماستهم للإسلام السياسي.