تفاوض أم إشعار بالاستسلام؟
الرسالة التي بعثها دونالد ترامب الى خامنئي، والتصريحات التي أدلى بها قبل إستلامها من الجانب الايراني، أكدت على إن ما تريده وتسعى إليه واشنطن هذه المرة مع طهران يختلف إختلافا جذريا عن المرات السابقة، ولاسيما وإن ترامب قد وضع إيران أمام خيارين لا ثالث لهما وهما "إما التفاوض أو مواجهة الحرب." لكن التفاوض ليس كما كان يجري في الماضي.
الاندفاع الترامبي الذي يمكن وبكل وضوح معرفة إنه أقوى وحتى أكثر جدية من ذلك الاندفاع الذي جرى خلال ولايته الاولى، ويبدو واضحا بأن ترامب يريد هذه المرة أن يضع حدا للهموم والهواجس الاميركية والاسرائيلية والعربية على حد سواء، وإن ما تريده واشنطن هذه المرة ليس بمعزل عن المساعي الايرانية المتجهة الى التصعيد على مر الاعوام الماضية، إذ ليس تعمل طهران على المحافظة على برنامجها النووي فقط وتطويره بما يلائم استراتيجيتها بل وحتى إنها تشفعها بتحركات ذات بعد استراتيجي أيضا كما في سعيها للحصول على موطئ قدم في فنزويلا من خلال تبني قاعدة معلوماتية هناك كما جاء في تصريحات وزير الخارجية الاميركي ماركو روبيو الاخيرة.
من هنا، فإن إندفاع ترامب لوضع حد ليس للبرنامج النووي الايراني بل وحتى لتدخلاته وبرنامجه الصاروخي ولما قام ويقوم به تزامنا مع إصراره على تطوير برنامجه النووي، يأتي بمثابة تيقن من إن طهران في ظل حكم النظام الديني، تعمل بكل الاتجاهات من أجل فرض نفسها في النتيجة كقوة سياسية ـ عسكرية ـ فكرية عابرة حتى للمدى الاقليمي، وهو أمر يتجاوز في النتيجة الحد والمستوى المسموح لإيران على الصعيد الدولي خصوصا وإن المجتمع الدولي عموما وواشنطن خصوصا، وإن السعي الايراني لفرض نفسها كقوة عسكرية تتزامن معها السعي لفرض نفسها كقوة فكرية ذات نمط واسلوب لا يتفق مع هذا العصر.
ردود الفعل الايرانية الصادرة من طهران على رسالة ترامب وتصريحاته المتشددة، أوضحت ما فيه الكفاية لرفض خامنئي للمطالب الاميركية وحتى التأكيد على استعداد طهران للمواجهة العسكرية وإنه "إذا ارتكب الأميركيون أو عملاؤهم أي خطأ، فسيكونون هم المتضررين الأكبر." لكن وعلى طريقة واسلوب الحكم الايراني السائد منذ 46 عاما في إزدواجية الموقف السياسي تجاه القضايا الحساسة فإن وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي وخلال مقابلة له مع صحيفة "إيران" الحكومية قال فيما يتعلق بالتفاوض والتواصل مع الادارة الاميركية الحالية عن إمكانية إعادة تفعيل قناة التفاوض غير المباشرة عبر مسقط لتقليل التكاليف السياسية، فقد أجاب: "نعم، وهذا ليس أمرا غريبا، فقد حدث مرارا عبر التاريخ." وهذه الازدواجية تذكرنا بما حصل أثناء الايام الاخيرة من المحادثات التي سبقت الاتفاق النووي للعام 2015، حيث أعلن خامنئي عن وضع 19 شرطا إيرانيا متشددا للتوقيع على الاتفاق، ولكن وفي النتيجة جرى تجاهل شروطه وتم إبرام الاتفاق.