جزيرة فيلكا في 'أرشيف متحف موسغرد'

كتاب الدكتور حامد المطيري يحوي الكثير من التفاصيل والمعلومات عن المكان، وبعثات أثرية عملت به ويؤكد على اهتمام كويتي بهذه المنطقة التاريخية.

ظلّت جزيرة فيلكا الكويتية قبلة للباحثين والآثاريين، والفنانين التشكيليين، ومحط أنظار عشاق التاريخ والتراث والآثار من الكويتيين والعرب والأجانب.. واستمر ذلك الاهتمام بمعالم الجزيرة وآثارها وتاريخها من قبل المتخصصين والهواة، والهيئات المعنية بالتراث واكتشاف آثار الأقدمين حتى اليوم.

ويأتي كتاب "جزيرة فيلكا.. في أرشيف متحف موسغرد.. أرشيف البعثة الدنماركية 1958 – 1963"، والذي أعده الدكتور حامد المطيري، وحوي الكثير من التفاصيل والمعلومات عن الجزيرة، والبعثات الأثرية التي عملت بها.. يأتي ليؤكد على ذلك الاهتمام الكويتي بهذه الجزيرة التاريخية.

وتناول المؤلف عبر صفحات كتابه، ما جري من خطوات لجمع أرشيف البعثة الدنماركية التي عملت بجزيرة فيلكا خلال الفترة من 1958 وحتى 1963.. وكيف نجحت الكويت في الحصول على الأرشيف من الجانب الدنماركي، كما يعرض الكتاب لما جرى تنظيمه من معارض لصور ومحتويات الأرشيف.

ونُطالع في الكتاب الصادر عن المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، أنه في مطلع فبراير من عام 1958 عملت بعثة آثاريه دنماركية بجزيرة فيلكا، واختارت أجمل فصول السنة مواسما لعملها، وهما فصلي الشتاء والربيع، وفي تلك الفترة لم تكن الجزيرة قد استكشفت بعد، على العكس من أرض البحرين التي بدت معروفة للباحثين الدنماركيين، وكان مدير البعثة ب. ف غلوب آثاريا مغامرا يمتلك قدرا ً عاليا من الحرفية،  فقد كان يصطحب معه مصورا سينمائيا ومصورا فوتوغرافيا ورساما أينما حل، إضافة لآثاريين الميدانيين وبعض التخصصات الأخرى التي يستفاد منها في علم الآثار ، وكان مولعا بثقافة الشرق، ورغم ملامحه الأوربية الحادة إلا أن هذه الملامح سرعان ما تذوب تحت الزي العربي  الذي كان مغرما ً بارتدائه.

وبحسب الكتاب، فإن غلوب  كثيرا ً ما كان يشاهد معتمرا الغترة أو الشماغ  ومرتديا الثوب الشتوي وعباءته - التي لا زال متحف موس غرد يتحفظ بها-  وواضعا غليونه الذي ال يفارقه في فمه حتى أثناء التنقيب، وقد طرب غلوب لجو الجزيرة واستهوته بساطة أهلها الذين كانوا يزورون المواقع باستمرار، وخلال إقامة البعثة في جزيرة فيلكا كان بيبي وغلوب يعلمان جيدا ُ أن نتاج عملهم سيخلد إلى الأبد، فاهتموا بتوثيق الأعمال الميدانية والزيارات والمناظر العامة، وساعدهم في توثيق هذه المشاهد حسا رفيعا لطالما تمتع به المستشرقون أثناء توثيق المناطق التي يزورونها لأول مرة، وفي فيلكا كانت الحياة جديدة عليهم فوصفوها وصفا ً دقيقا أو عدسة آثاري. كما لو أنها وضعت تحت مشرط جراح.

سجل حافل

وفي العام 1963، غادرت البعثة دولة الكويت، تاركةً ورائها سجلاً حافلاً بالمكتشفات الاثرية التي تكفي لعرضها في خمسة متاحف بحجم المتحف الجديد.

 وأطلق مؤلف الكتاب الدكتور حامد المطيري، على تلك الفترة "مرحلة التنقيبات الأولى"، وهي مرحلة كانت مكثفة الجهد قصيرةً زمنيًا، ورغم ما أصاب العمل الأثري من خمول بعد مغادرة البعثة ونعني بها فترة الستينات حتى منتصف الثمانينات إلا أن إنشاء متحف الكويت الوطني وما صاحبه من فعاليات ومعارض عوض هذا النقص ونظرا للنقص الحاد في الوثائق التي تمتلكها إدارة الآثار والمتاحف عن التنقيبات الأولى في الجزيرة والتي فقدت معظمها بسبب الغزو العراقي عام 1990 كانت إدارة الآثار والمتاحف تلجأ إلى إعادة تصوير المواقع من الإصدارات العلمية والتقارير المنشورة وغير المنشورة ومن الأرشيف القليل المتبقي، إلى أن تم اكتشاف هذا الأرشيف في سبتمبر من عام 2004، ويتضمن الأرشيف توثيق التنقيبات الأثرية بالدرجة الأولى، ثم توثيق معالم الجزيرة، وعلى وجه الخصوص ساحل الزور، وبعض الصور في هذا الأرشيف التقطت بواسطة الحوامات. فكانت الصور في غاية الأهمية لما تضمنته من مشاهد عامة عن أحوال الجزيرة والحركة العمرانية فيها.

 واحتوي الأرشيف أيضا، على بعض الصور التي التقطتها البعثة لمدينة الكويت أثناء نزولهم إليها والعودة منها، ومن بين صور الأرشيف مناظر جوية لمدينة الكويت في ستينات القرن الماضي، حيث كانت البعثة حريصةً على توثيق معالم مدينة الكويت خلال إقامتها في مدرسة الشويخ.

 وضم الأرشيف، مشاهد قليلة رائعة للأسواق وجال الزور، ولذلك وضعت في فصل واحد وهو الفصل الرابع عشر، وعلى هذا؛ تغطي صور الأرشيف الفترة من 1958 و1963، ً وأضيف إليها صوراً التقطت عام 1975 وعام 1988عندما قدم بعض أعضاء البعثة إلى دولة الكويت في زيارة لمشاهدة مواقع التنقيب وتجهيز المادة العلمية للنشر.

قصة أرشيف البعثة الدنماركية:

وأورد الدكتور حامد المطيري، في كتابه "جزيرة فيلكا.. في أرشيف متحف موسغرد.. أرشيف البعثة الدنماركية 1958 – 1963".. حيث يقول أنه في شهر سبتمبر/ايلول من عام 2004 كان شهاب عبدالحميد شهاب في رحلة للدنمارك للاطلاع على مستودع الآثار في متحف موس غرد فقابل في المتحف الدكتور فليمنج هويلند Højlund Flemming وبول كيروم Kjærum Poul وهو من الذين عملوا في الجزيرة خلال البعثة الأولى وأثناء التجول في المتحف شاهد شهاب أرشيفا للصور وأشرطة سينمائية كتب عليه دولة الكويت وعندما استفسر  خبر أنها خاصة بالتنقيبات الأثرية في الكويت وفي منطقة الخليج العربي، فأعرب شهاب عن رغبته في الحصول على نسخة من هذا الأرشيف لإدارة الآثار والمتاحف فوافق هويلند ذلك على أن تتحمل دولة الكويت تكلفة نسخ الأرشيف وتحويله إلى أرشيف رقمي   Archives Digital.

وبحسب الكتاب، ففي الكويت عرض الامر على رئيس مجلس الوزراء آنذاك الشيخ ناصر المحمد الصباح فوافق على تمويل المشروع، وفي تلك الفترة كان بدر الرفاعي الأمين العام للمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، فذهب على رأس وفد من المجلس، لإتمام استعادة الأرشيف الذي يتمون من صور شاملة للمواقع الأثرية، وللقطع الأثرية، بجانب أشرطة سينمائية.

ويشرح لنا الكتاب كيف تمكن الآثاريون والباحثون الكويتيون من جمع المادة العلمية لكل صورة من صور الأرشيف، وبناء قاعدة بيانات كاملة عن 347 صورة.

يذكر أن جزيرة فيلكا، تُعد من أهم جزر الكويت، كما حظيت منذ القدم بمكانة متفردة بين جزر الخليج العربي، وتعرف جزيرة فيلكا بأنها موطن لحضارة دلمون وأحد مراكزها الرئيسية، وتضم بين جنباتها شواهد الحضارات المبكرة في الخليج العربي خلال الالف الثاني قبل الميلاد.

 وقد اشتهرت الجزيرة كميناء للسفن التجارية منذ القدم، وكانت أول محطة تتوقف بها السفن القادمة من بلاد ما بين النهرين – العراق - لجنوب الخليج العربي.. ويَذكر المؤرخون بأن الاسكندر الأكبر اتخذ من فيلكا مقرا لقواته خلال قيامه بتوسيع مناطق حكمه ونفوذه، وأن هناك شواهد اثرية جري اكتشافها تؤكد على علاقة الإسكندر الأكبر بالجزيرة.. ويقال بأنه خلال العصر الدلموني، أي قبل قرابة 3000 عام، أسس سكان الجزيرة حضارتهم وديانتهم الخاصة، وتعد بذلك أول مركز حضري يقام بمنطقة الخليج العربي.. وقد اكتشفت بها معالم قديمة، وقطع أثرية، تؤكد على أن الجزيرة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.