حصر تحقيقات العدالة الانتقالية في انتهاكات نظام الأسد يثير الانتقادات
دمشق - أثار تأسيس هيئة العدالة الانتقالية في سوريا انتقادات بسبب حصر عملها في انتهاكات ارتكبها نظام الأسد، فيما تطالب منظمات ونشطاء بالكشف عن كافة المتورطين أيا كانت مناصبهم أو انتماءاتهم، لا سيما بعد ارتفاع ضحايا العنف الطائفي بعد سقوط الأسد.
ويأمل ماهر الطن بتحقيق العدالة لابنه وشقيقيه المفقودين منذ سنوات بعد اعتقالهم من قوات الأمن خلال حكم عائلة الأسد، آملا في أن يكون تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، سبيلا لذلك.
ويقول الطن (54 عاما) الذي يقطن في الغوطة الشرقية في ريف دمشق في اتصال مع وكالة فرانس برس "لديّ أمل...وأنا متفائل"، مضيفا "أشعر بأن ابني ما زال على قيد الحياة".
ويضيف الرجل الذي أوقف ابنه محمّد نورالدين في الغوطة الشرقية عام 2018 حين كان عمره 17 عاما "أتمنى أن يتم إحقاق الحق والإنصاف، وأن يأخذوا حقنا من الجيش السوري الذي أخذ أبناءنا ظلما".
وأعلنت السلطات السبت تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين، سعيا لمعالجة ملفين من الأكثر تعقيدا عقب إطاحة حكم بشار الأسد، بعد 14 عاما من اندلاع نزاع مدمر خلّف مئات الآلاف من القتلى والمفقودين.
وبحسب المرسوم الرئاسي، تُعنى هيئة العدالة الانتقالية "بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا".
وترى منظمات حقوقية أن الخطوة ضرورية في مسار تحقيق العدالة الانتقالية، لكنها تنتقد حصر عملها بالمساءلة عن جرائم ارتكبت على يد حكم بشار الأسد فقط.
ويبقى المصير المجهول لعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين من الموروثات المروعة للنزاع الذي اندلع عام 2011، وبدأ باحتجاجات سلمية مناهضة للأسد قمعتها السلطات بعنف.
إلا أن النزاع ما لبث أن تشعّب، وبرزت خلاله مجموعات جهادية بينها تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التي تحدّرت منها هيئة تحرير الشام، بعد فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة. وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع زعيم الهيئة التي قادت العملية التي أطاحت بالأسد.
ويقول الشريك المؤسس لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا دياب سرية لوكالة فرانس برس، إن "النظام السوري كان المرتكب الأكبر لانتهاكات حقوق الإنسان"، إلا أن ذلك "لا يعفي بقية أطراف الصراع في سوريا.. ولا يعني أنهم لم يمارسوا انتهاكات ولم يتركوا خلفهم ضحايا".
ويستنتج سرية أن الهيئة "لا تلبي طموحات ضحايا مختلف الانتهاكات في سوريا". وفي السياق ذاته، يرى مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة محمّد العبدالله أن تأسيس هيئة العدالة الانتقالية "خطوة ضرورية كان ينبغي القيام بها منذ ستة أشهر".
لكنه يوضح أن حصر عملها بانتهاكات ارتكبها حكم عائلة الأسد يسلب ضحايا بقية الأطراف إمكانية الوصول الى حقوقها، وبالتالي يفقد الثقة بمسار العدالة الانتقالية بأكمله".
الهيئة لا تلبي طموحات ضحايا مختلف الانتهاكات في سوريا
وأعلنت السلطات توقيف عسكريين وقادة في أجهزة الأمن السابقة التي تتهمها بارتكاب عمليات تعذيب وقتل وإخفاء قسري داخل السجون. وقالت إنهم متورطون في "جرائم" بحقّ السوريين.
وبين هؤلاء الطبيب غسان يوسف علي الذي تم توقيفه في 6 مايو/أيار ووصفته وزارة الداخلية بـ"المجرم" و"أحد الضباط العاملين في مشفى تشرين العسكري خلال حقبة النظام البائد".
وفي أبريل/نيسان أعلنت توقيف ضابط أمن من المخابرات الجوية باسم سلطان التيناوي، قالت إنه ضالع في ارتكاب "جرائم حرب".
وعلى الرغم من التوقيفات، يشير مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن إلى أن الاعتقالات في صفوف المسؤولين البارزين في الحكم السابق لم يتخطّ العشرة أشخاص.
ويضيف أن "المسؤولين المهمين في الأجهزة الأمنية الذين كانوا على رأس عملهم عند سقوط النظام، باتوا جميعا خارج سوريا"، بينما توارى آخرون في بلداتهم وقراهم في المناطق العلوية.
ويرى محمّد العبدالله أن "هناك توقيفات عشوائية تشمل أشخاصا وأفرادا، دون وضع خطة للبحث عن المفقودين أو فتح تحقيقات مركزية بجرائم الإخفاء القسري، أو حتى حماية المقابر الجماعية".
وبحسب كبيرة الباحثين في منظمة هيومن رايتس ووتش هبة زيادين، "يفتقر ما يجري إلى الشفافية، ولا توجد معلومات واضحة حول ما يحدث لهؤلاء بعد توقيفهم".
ويشير العبدالله في الوقت نفسه إلى وجود "توجهين لدي السلطة: توقيف بعض الأشخاص ومعظمهم من رتب دنيا، وتوجّه للعمل مع أشخاص آخرين، على غرار فادي صقر...الذي عيّنوه عضوا في لجنة السلم الأهلي في اللاذقية"، ما أثار انتقادات وغضبا على وسائل التواصل.
وكان صقر قياديا في فصائل الدفاع الوطني الموالية للأسد، ويشتبه بوقوفه خلف انتهاكات عدة. ويشرح سرية أن أبرز المتورطين في عمليات التعذيب في مستشفى تشرين العسكري، وهما مدير المستشفى مفيد درويش ورئيس قسم الطب الشرعي أكرم شعار، ما زالا هاربين.
وضمّ المستشفى الذي شهد انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين، أكثر من 500 طبيب، وفق سرية، لم يتورطوا جميعهم في تعذيب المعتقلين. ويوضح أن "غالبية المتورطين كانوا في قسم الإسعاف الجديد الذي تم إنشاؤه خصيصا للمعتقلين، وكذلك في الطبابة الشرعية".
ونبّهت منظمة العفو الدولية في تقرير الجمعة إلى أن "تأخير تحقيق العدالة لن يؤدي سوى إلى زيادة خطر إراقة الدماء مثل أحداث القتل الجماعي الأخيرة للمدنيين العلويين في الساحل".
وشهدت منطقة الساحل في مارس/آذار شتباكات ذات طابع طائفي، أودت بنحو 1700 شخص، غالبيتهم الساحقة علويون، إضافة الى انتهاكات متفرقة توثّقها منظمات حقوقية وسكان في محافظات عدة.