حماس ستثير حربا ً في البحث عن حلّ طويل الأمد

ترى حماس إن تحمّل الخسائر، مهما كانت هائلة، سوف يتضاءل مقارنة باليأس الذي لا ينتهي والقنوط الذي يعاني منه الفلسطينيون في غزة بسبب استمرار الحصار.

يمكن لأي نزاع ممتد أن ينتهي في ظل ظروف معينة إما أن تتطور على مدى فترة من الزمن أو يتم التسريع بها من جانب طرف ٍ من الأطراف المتنازعة، بما في ذلك: عندما يستنتج الطرفان أنهما لم يعد باستطاعتهما الاستفادة من استمرار النزاع، أو عندما يصل كلا الطرفين إلى نقطة استنفاد لأنهما لم يعد يمتلكان الموارد ولا المثابرة لمواصلة القتال؛ أو عندما تفرض قوى خارجية كبرى حلًا؛ أو عندما يقدم أي من الطرفين تنازلا كبيرا من جانب واحد يغير ديناميكية الصراع؛ أوعندما ينتفض الشعب بشكل جماعي وينخرط باستمرار في العصيان المدني أو في احتجاج عنيف لإجبار حكومتهم على إيجاد حل.

لا يبدو أن أيًا من السيناريوهات المذكورة أعلاه قابلة للتطبيق على الصراع بين إسرائيل وحماس. السيناريو الأكثر ترجيحا هو الإستعجال في انفجار عنيف كبير – حرب رابعة قد تثيرها حماس من اليأس، وفي هذه الحالة ستكون مستعدة لمعاناة الآلاف من الضحايا والدمار الهائل. سوف ترفض حماس رفضا قاطعا التوصل إلى وقف إطلاق نار آخر وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في السابق. بدلاً من ذلك ستصر على أن تقوم إسرائيل برفع الحصار بموجب صيغة يتفق عليها بين الطرفين.

وكما تراه حماس، فإن تحمّل هذه الخسائر، مهما كانت هائلة، سوف يتضاءل مقارنة باليأس الذي لا ينتهي والقنوط الذي يعاني منه الفلسطينيون في غزة بسبب استمرار الحصار.

وبغض النظر عن قوتها وتطرفها ضد إسرائيل، ينظر المجتمع الدولي إلى حماس على أنها المستضعفة. إن شدة الأزمة الإنسانية في غزة اليوم ذات أبعاد هائلة، مما يجعل من المستحيل على إسرائيل شن حرب أخرى ضد حماس على أمل التوصل إلى وقف هش لإطلاق النار مرة أخرى فقط للعودة و"قص العشب" مراراً وتكراراً من دون إدخال تغيير دراماتيكي على الأرض. نصر رابع لإسرائيل ضد حماس ليس إلا هزيمة لنفسها لأنها سوف تقوض صورة إسرائيل فقط من خلال جعل الأوضاع في غزة أكثر سوءًا، وهذا ما ستستفيد منه حماس.

الوضع الحالي في غزة ببساطة غير قابل للإستمرار لأن اليأس والبؤس بين الفلسطينيين يولّد الإستياء والكراهية التي تولد بدورها مقاومة عنيفة. هذه حلقة مفرغة، ولا يوجد ما يمكن لإسرائيل فعله الآن أو في المستقبل لإنهاء النزاع بغض النظر عن حجم القوة التي تستخدمها، طالما أن الحصار لا يزال قائماً.

لقد تغير الزمن ولم تعد إسرائيل قادرة على الحفاظ على هدوء نسبي في غزة لأن حماس لا تملك سوى القليل لتخسره وستبقي الصراع يغلي على نار ٍ هادئة. لقد تعلمت حماس من الأخطاء المتكررة في حروبها الثلاث السابقة ولن تقبل بأي شيء أقل من حل طويل الأمد. تعرف حماس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لا يريد حرباً أخرى في وقت تنشغل فيه إسرائيل بالقضايا الإقليمية الملحة الأخرى التي يجب أن تواجهها.

وبالنسبة لنتنياهو، فإن الأهمية المتزايدة للتعاون الإستراتيجي بين إسرائيل والدول العربية لمواجهة إيران ومخاوف إسرائيل من وجود إيران في سوريا واحتمال استئناف برنامج الأسلحة النووية الإيراني يجب أن يتصدر أولوياتها. يقترن ذلك بخطط سلام ترامب المعلقة والتي لا يريد نتنياهو تعطيلها لأنه يريد أن يتجنب الإنطباع بأنه هو العائق وليس الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

أي حكومة إسرائيلية تدرك أن حماس لن تذهب إلى أي مكان. يمكن لإسرائيل أن تغزو غزة وتقضي نهائيا ً على قيادة حماس، لكن في غضون فترة قصيرة من الزمن سيصل القادة الجدد إلى السلطة وهؤلاء سيكونون أكثر تطرفًا وانتقامًا وتشدّدا ً.

علاوة على ذلك، لا تريد إسرائيل إعادة احتلال غزة. إن إعادة احتلال القطاع ستكون بمثابة كابوس أمني بالنسبة لإسرائيل، هذا ناهيك عن مئات الملايين من الدولارات الضرورية شهريا ً للإبقاء على قوة عسكرية ضخمة للحفاظ على النظام والأمن ورعاية ما يقرب من مليوني شخص.

غزة منفصلة عن الضفة الغربية. وبالنظر إلى القضايا الأكثر تعقيدًا بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ينبغي على حكومة نتنياهو الآن التركيز على معالجة الأزمة الإنسانية في غزة أولاً. لا تتفق حماس والسلطة الفلسطينية على كلّ شيء، وبالنسبة لحماس، فإن تخفيف الأوضاع الرهيبة في غزة هو أمر ُ أكثر إلحاحاً بكثير، وسوف تغتنم أي فرصة للتفاوض طالما لم يتم إذلالها في العملية.

جميع مفاوضات وقف إطلاق النار السابقة بين إسرائيل وحماس أجراها طرف ثالث. ونظراً لقربها من غزة ومخاوفها الأمنية والسلام مع إسرائيل، لعبت مصر دورًا محوريًا في الوساطة بين إسرائيل وحماس في الماضي. وفي هذه المرحلة على أية حال ينبغي على إسرائيل وحماس التفاوض مباشرة بمشاركة مصرية.

لن تكشف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وحماس فقط عن البعد الإنساني لكلا الجانبين – الخوف والألم والمخاوف – بل ستظهر أيضًا ما إذا كان الجانبان ملتزمين حقًا بالتوصل إلى اتفاق. كما وتثير المحادثات وجهاً لوجه أفكارا وإمكانيات جديدة تميل المفاوضات المباشرة إلى تحفيزها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المحادثات المباشرة تعزز العلاقة التي تسهل الإتفاقات حول مختلف القضايا الصعبة وتساعد على تعزيز الثقة التي كان الإفتقار إليها يطارد كلا الجانبين.

ولتهيئة المسرح، ينبغي أن تسبق المفاوضات المباشرة اتصالات خلفية بين الجانبين ييسرها طرف ثالث. إن الطبيعة السرية للمحادثات ما وراء الكواليس التي أجراها كبار الأفراد المحترمون والموثوق بهم من كلا الجانبين ستسمح لهم بنقل شكاواهم ومخاوفهم دون قيود وقياس مدى التنازلات التي هم على استعداد للقيام بها، وتحديد الشروط المسبقة المطلوبة لتهيئة المسرح للمحادثات وجها لوجه دون تدقيق شعبي.

وإذا أرادت إسرائيل التوصل إلى اتفاق، فعليها التخلي عن مطالبتها بأن تسلم حماس أولاً مخزونها من الأسلحة قبل أن ترفع إسرائيل الحصار. إن تجريد غزة من السلاح يجب أن يكون جزءًا من عملية التفاوض القائمة على المقايضة، حيث يتم الرد على التدمير التدريجي لأسلحة حماس بتخفيف الحصار تدريجيّا ً. لكن ما هو ضروري هو أن توافق حماس أولاً على نبذ العنف ووقف جميع الأعمال العدائية.

ينبغي على إسرائيل أن تتبنى اقتراح حماس بوقف إطلاق النار على المدى الطويل (الهدنة). وخلافا للموقف الإسرائيلي، فإن الهدنة لن توفر لحماس الوقت الكافي للتحضير للحرب القادمة لأنها عازمة على تدمير إسرائيل. بدلاً من ذلك، ستوفر الهدنة الفرصة للطرفين للمشاركة في عملية مصالحة والسماح لحماس بجني الفوائد الفورية والمستمرة، وتطوير مصلحة راسخة في الحفاظ على السلام.

وخلال هذه الفترة الزمنية، ينبغي على حماس التركيز على إعادة تأهيل غزة من خلال بناء المدارس والعيادات الصحية والبنية التحتية، هذا في الوقت الذي يتم فيه وضع الأساس لمنظمات ومؤسسات "دولة" قابلة للحياة كما لو كانت مستقلة لإظهار التزامها بالسلام، بدلاً من بناء أنفاق الهجوم وشراء الأسلحة.

قد تخفف إسرائيل تدريجياً الحصار وترفعه نهائياً طالما أن حماس ملتزمة تماماً بجميع أحكام الإتفاقية. وسيقود ذلك ما بين ثلاث وخمس سنوات إلى هيكل دائم للسلام، حيث يتم التفاوض على جميع القضايا المتضاربة الأخرى وتسويتها في ظل ظروف تتسم بقدر أكبر من الإئتمان والثقة.

وأولئك الذين يقولون بأن حماس غير قابلة للإصلاح، كما يدّعي العديد من الإسرائيليين ذلك، هم ببساطة مخطئون. فبالرغم من تصريحاتها العلنية التي تقول عكس ذلك، تعرف حماس أن إسرائيل موجودة لتبقى ولا يمكن هزيمتها الآن أو في أي وقت في المستقبل ولا يمكن إيجاد حل لنزاعها مع إسرائيل إلا من خلال المفاوضات.

هذا ليس حلما ً مستحيلا ً. لقد تمّ فحص صراع إسرائيل – حماس في الواقع من كلّ زاوية. لا يوجد خيار لأي منهما سوى القبول بواقع كلّ منهما والتوفيق بين خلافاتهما. وكلما طال أمد الإنتظار، كلما أصبح الصراع أعمق وأكثر استعصاءً، وكلما ارتفعت تكلفة الدم والدمار.

لقد حان الوقت لكي تختبر إسرائيل وحماس عزيمة كلّ منهما من خلال إجراء محادثات مباشرة وصنع حل سلمي، وهذا يبقى الخيار الوحيد القابل للتطبيق.