خطر التفكير الثنائي: كيف يتلاعب داعش بالعقل؟

ثمة تصنيفات تنتظر الجميع في العقلية الداعشية.

هل انت اسلامي أم ليبرالي؟ شيعي أم سني؟ سلفي أم اخواني؟ هل تنتمي للسلفية الجامية أم السرورية؟ هل تنتمي للأشعرية أم الماتردية؟ هل تؤمن بخلق القرآن او قدمه؟

المبالغة في التصنيف هي ظاهرة اكتسحت المجتمعات العربية بشكل ملفت للغاية، ولم يتم تسليط الضوء عليها بما فيه الكفاية، ولكن نظرا للارتدادات السلبية لهذه الظاهرة فيحسن بنا التوقف قليلا عندها، من باب التأمل.

التصنيف لأغراض الدراسة والفهم لا غبار عليه، ولكنه يتحول إلى مشكلة عميقة عندما تبنى عليه مواقف تؤثر على علاقات الناس ببعضهم البعض، واذا تشكلت من خلاله رؤية سلبية عن الاخر، او اذا ادى الى الدخول في صراعات شخصية.

المقلق في هذه الظاهرة انها متشظية، بمعنى ان العقلية التقسيمية لا تتوقف عند حدود، وانما تتوالد، فالإسلامي مثلا لا يكتفي بعزل غيره عن الاسلام، وانما ينتقل تاليا الى عزله مذهبيا ثم مرجعيا ثم مناطقيا ثم لغويا، واتذكر ان لغطا دار قبل سنوات حول تغريدة كتبها شيخ مشهور قال فيها "ان الفرقة الناجية هي ما كان عليه علماؤنا وأهل نجد ومن تبعهم فقط والباقي في النار".

يضحك احدنا على هذه العقليات، ولكنه ربما يكون احد سدنتها. فلو رآك تخرج من مسجد ما فانه سرعان ما يصنفك ضمن جماعة محددة، واذا سافرت الى مدينة ما يصنفك ضمن مذهب معين، واذا تم تصنيفك وانت في العاشرة من عمرك فان اللافتة ستلازمك الى اخر لحظة من حياتك، حتى ولو بدلت ثوبك عشرات المرات.

ويترتب على هذا التصنيف مواقف بعضها غير مهم وطفولي ومثير للسخرية، مثل عدم التواصل، وعدم تقدير الراي الاخر، والتجاهل، وعدم رد السلام، ولكن بعض الاثار قد تكون مؤثرة وخطيرة مثل التنابذ الاسري، او تعثر اتفاقات الزواج، او غيرها من الاجراءات الحادة.

اما الاثار السياسية لمثل هذه التصنيفات فحدث ولا حرج، فقد يتم عزل مجموعات بشرية بناء على تصنيفهم المذهبي او العرقي، حتى ان بعض اللادينيين او العلمانيين دفعوا ثمنا غاليا بناء على ان عوائلهم (وليسوا هم) يصنفون ضمن المذهب او الجهة المغضوب عليها.

وعند السؤال عن شخص ما فطبيعي ان يقال لك انه ليبرالي سني، او علماني شيعي، او بعثي اعجمي، على الرغم انهم جميعا ارادوا التحرر من الاوصاف التقليدية اساسا، لكنهم لم ينجوا من الوصف المذهبي والمناطقي.

هذه العقلية التصنيفية هي نبات داعشي مصغر، يظهر في بيئة بكتيرية تساعد على نمو جماعات التطرف والغلو، وهي الأرضية الخصبة لتحول التيارات الدينية الى تيارات اقصائية لا تتردد عن مخاصمة المجتمع وربما نحره تاليا.