'سقوط' تطير بالسرد الجزائري إلى آفاق بعيدة

وليد الأسطل ينتقد بشدة في روايته البوليسية موجة الإباحية المهيمنة على مجتمع الغرب.

في رواية "سقوط" يكتشف القارئ أن القطط ليست مجرد حيوانات أليفة "بسيطة"، بل إنها كائنات تحمل دلالات وأبعاد أعمق، وهو ما يجسد براعة السرد التي تميز بها الكاتب الجزائري وليد الأسطل في أول عمل روائي له، صدر حديثا عن دار "خيال" للنشر والترجمة.

إنه لمن الإنصاف حقا أن أشكر الذين هاجموا رواية "سقوط"، فقد دفعوني إلى الإسراع بطلب نسخة منها، إذ لم أكن معتادا على قراءة هذا النوع من الروايات، لكني وجدتها مذهلة، مليئة بالغموض، ومصاغة بحبكة آسرة تم نسجها بمهارة عالية.

الرواية استثنائية بكل المقاييس، مختلفة بشكل لافت، مؤثرة وفي بعض الأحيان مضحكة، بفضل ردود أفعال بعض ضباط الشرطة التي أضفت على السرد نكهة مميزة، كما أن القصة تأخذ القارئ في رحلة شيقة، حيث تكون كل محاولة لاقتفاء أثر القاتل محفوفة بالإحباط والانقلاب على الافتراضات، في جريمة كان الشاهد الوحيد فيها قط، يتيح لنا رؤية الأحداث من خلال عينه الثاقبة.

ومع ذلك، فإن أحد الذين هاجموا الرواية اختتم تعليقه بعبارة: "... ناهيك عن أن النص ثقيل"، ما يشير إلى أنه ركز كل طاقته على تصوير الرواية كنص "ماجن" و"مخل بالحياء"، دون أن يقدم تحليلاً أو نقدا لأي من جوانبها الأخرى مثل الشكل السردي، بناء الشخصيات، ترابط الأحداث، أو اللغة. لقد اكتفى فقط بالقول إن "النص ثقيل"، متجاهلاً الجوانب الفنية التي تجعل "سقوط" عملاً روائيا متكاملاً يستحق الإشادة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الرأي يجب احترامه، شريطة أن يكون صاحبه قد قرأ الرواية فعلا، وليس فقط اطلع على مقاطع يتم تداولها حاليا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على شكل صور ملتقطة من بعض صفحاتها بتقنية "سكرين شوت"، ذلك أن الحكم على أي عمل أدبي دون قراءته يُعتبر –على نحو ما- بمثابة فعل "مخلّ بالحياء".

بالمقابل، ليس من الإنصاف أن نفترض بأن صاحب الرأي -الذي اعتبر نص "سقوط" ماجنا ووصفه في آخر تعليقه بأنه "ثقيل"- لم يقرأ الرواية. إن هذا الافتراض بحدّ ذاته غير نزيه. لذلك، من الأفضل أن نُحسن الظنّ وندّعي بأن جميع من هاجموا –أو لنقل من باب حسن النوايا أيضا "انتقدوا"- الرواية قد قرأوها بالفعل.

وبما أنهم كذلك، فقد اعترفوا ضمنيا بحقّنا في قراءتها، ليتسنّى لنا الحكم عليها، كلٌّ من منظوره الخاص، بل يمكن القول إن انتقادهم الشديد للرواية شجّعنا بشكل غير مباشر على قراءتها، مثلما حدث خلال الهجوم الشرس على رواية "هوارية" للكاتبة الجزائرية إنعام بيوض مع ملاحظة أن الروايتين تشتركان في كونهما هُوجمتا للسبب ذاته: "الجنس"، وذلك من خلال رفع الحظر عنه وتوظيفه –ضمن الحوارات وخلال بعض المشاهد- بطريقة تلقائية.

كل من الأسطل وبيوض تفاديا في روايتيهما التنكّر للجنس كجزء من التجربة الإنسانية بكل تناقضاتها، كما تفاديا الابتذال في استخدامه حين أدرجاه –بشكل تلقائي- بعيدا عن أساليب التلميح والإيحاء الممنهج التي تُستخدم في الأدب الإيروتيكي من خلال إقحام مشاهد تُبنى تدريجيا لزيادة التوتر وشغف الانتظار لدى القارئ، مع ضرورة التوضيح أن "سقوط" –وهي رواية بوليسية- تنتقد بشدة موجة الإباحية التي تهيمن على مجتمع الغرب.

أما حول ما قيل إن الرواية ثقيلة، فهي بالفعل ثقيلة بالمعنى الإيجابي للكلمة، تتميز ببناء محكم و"وصف دقيق وساحر للشخصيات والأماكن"، وفق ما جاء على ظهر غلاف الرواية بقلم القاص والشاعر الجزائري الطيب صالح طهوري الذي قال إنها رواية "تأسر قارئها أما نهايتها فغير متوقعة".

رواية "سقوط" الصادرة عن دار خيال للنشر والترجمة (الجزائر) التي جاءت في 27 فصلا موزعة على 251 صفحة، بعيدة كل البعد عن كونها رواية "جنسية"، ثم إنها لا علاقة لها بالمجتمع المحلي، فقد كتبت بروح غربية: أحداثها، أماكنها شخصياتها كلها من الغرب، وتقوم على فكرة مذهلة، فتلك "الشابة المقيدة إلى قضبان سرير في منزل مجهول، تُقتل على يد الشخص الذي قيّدها، فيما لم يكن هناك إلا قط يراقب كل ما يجري، إنه الشاهد الوحيد على الجريمة".

وليد الأسطل المولود في عاصمة الغرب الجزائري وهران عام 1981 والمقيم حاليا في فرنسا، صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "لسنا شعراء إنه الحب" في عام 2019، وصدرت له هذا العام مجموعة قصصية بعنوان "شيء مختلف" ورواية "سقوط".

لديه أيضا منجز شعري ينتظر الطبع، بالإضافة إلى قراءات نقدية تحت عنوان "عشت معها". ويعِدُ الأسطل قرّاءه برواية تاريخية تتناول جانبا من ظروف ظهور فرسان الهيكل، ومن المتوقع أن ينهي كتابتها خلال العام الجاري 2024.