طاعون فساد الإسلام السياسي سيلتهم ما تبقى من العراق

يمتاز العراق اليوم كونه من أكثر بلدان الشرق الأوسط، على الأقّل، تخلّفا وإنحطاطا على مختلف الصعد، وأنّ تحديد سقف زمني لتجاوز حالتي التخلف والإنحطاط هاتين والبدء بعملية البناء تحت حكم الأحزاب الأسلامية يعتبر أمر غاية بالصعوبة إن لم يكن أشبه بالمستحيل. كون هذه الأحزاب، شيعية وسنّية، ومعها الطرف الثالث الكردي، أثبتت خلال السنوات الخمسة عشر الماضية من أنها وباء ضرب البلد، وإستمرارها لسنوات قادمة على رأس السلطة وعلى نفس النهج سيحول هذا الوباء الى كارثة كبرى ستدفع الأجيال العراقية القادمة ثمنها باهظا جراءه. لذا فأن العمل الدؤوب والنضال المستمر لتغيير المعادلة السياسية بالبلد، يعتبر واجبا ملحّا أمام كل القوى الوطنية العراقية الديموقراطيّة المخلصة للعراق وشعبه.

إنّ الصراع بين الطرفين ليس صراعا سهلا، بل على العكس فأنه صراع غاية بالصعوبة والتعقيد كونه صراع وجود. وأن إنهاء هذا الصراع لن يتم بالسلاسة التي نتوقعها أو نحلم بها، فضعف الدولة مقارنة بقوة الميليشيات والعشائر وإمتلاكهما لمختلف أشكال الأسلحة يجعل السلم الأهلي في خطر كبير أثناء الأنعطافات الحادّة والتي ستأتي بلا شك. إنّ القوى المهيمنة على السلطة لها نقاط قوّة كثيرة وليست على أستعداد للتخلي عنها حتى من خلال صناديق الإقتراع لأسباب داخلية وإقليمية والأخيرة هي الأهّم عندها، كما أنّ للقوى الوطنية نقاط قوّة لم تُستَغل بعد نتيجة عدم إتفاقها لليوم على برنامج إنقاذ وطني واسع هدفه المعلن والعلني هو أنهاء سيطرة الإسلام السياسي على مقدرات البلد. نقول علنيا، لأنّهم بحاجة الى سياسة واضحة وجريئة لأستقطاب الملايين التي باتت بعيدة عن التأثير باللوحة السياسية نتيجة خيبة أملها بالقوى الوطنية وضبابية شعاراتها وعدم جرأتها في مواجهة الغول الإسلامي الفاسد. إن كانت لدى القوى الإسلاميّة مجموعات ضغط مع هيمنتها الكاملة على عتلات آلة الدمار من خلال إستغلالها لنقاط عدّة سنتناولها بعد قليل، فأنّ للقوى الوطنية الديموقراطية، مجموعة ضغط هائلة وقادرة على قلب موازين القوى وهي الجماهير التي حطم الإسلام السياسي مستقبلها ومستقبل أجيالها لعقود قد تطول.

تعتبر المؤسسة الدينية وفي غياب شبه كامل للوعي عند الجماهير مركز القوة الأرأس للقوى الطائفية الشيعية، والمسؤولة الأولى عن الخراب الكبير الذي لحق بالبلد. فهذه المؤسسة الطفيلية أخذت على عاتقها ومنذ اليوم الأوّل للإحتلال تسويق أسوأ ساسة عرفهم العراق طيلة تاريخه الحديث، وساهمت من خلال ضغطها في كتابة دستور طائفي سبّب ويسبّب للبلد مشاكل لا حصر لها. هذه المؤسسة اليوم وعلى الرغم من محاولة إظهار براغميتها الا أنها تبقى راعية للفساد كون الأحزاب والميليشيات التي رعتها منذ اليوم الأوّل أصبحت اليوم أخطبوط يمدّ أذرعه في كل مرافق الدولة ومؤسساتها، هذا إن كان لدينا بالعراق الإسلامي مؤسسات مستقلة أصلا.

لقد ساهمت المؤسسة الدينية ومن خلال فتوى الجهاد الكفائي (التي يجب أن تنتهي بإنتهاء أسباب إطلاقها فقهيا) في منح الميليشيات المسلّحة على الضد من الدستور الذي ينصّ على حظر "تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة"، صفة رسمية. فالمؤسسة الدينية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة من جهة الا أنها وبمفارقة غريبة ومقصودة تطالب بالأبقاء والمحافظة على الحشد الشعبي أي الإبقاء على الميليشيات المسلّحة من جهة ثانية! علما من أنّ الحشد الشعبي تأسس بعد فتوى الجهاد الكفائي من قبل متطوّعين لبّوا فتوى السيستاني ومن ميليشيات كانت موجود أساسا قبل الفتوى، والتي أصبحت جزءا من القوّات المسلّحة وستدخل البرلمان العراقي من أوسع أبوابه. ولمّا كان العديد من قادة هذه الميليشيات قد أعلنوا ولائهم لإيران علنا من خلال وسائل الإعلام، فأن الفتوى التي منحت هذه الميليشيات الصفة الرسمية قدّمت خدمة كبيرة لإيران ولي الفقيه من خلال تواجد إيران في البرلمان العراقي ورسم سياسة البلد كما تريد وتشتهي.

أن الأحزاب والميليشيات والعصابات والمافيات الإسلامية، تمتلك علاوة على دعم المؤسسة الدينية وإيران. ثروات هائلة تستطيع من خلالها حسم المعارك الإنتخابية لصالحها، فهي سرقت خلال السنوات العشر الماضية مئات مليارات الدولارات والتي تستطيع من خلال غياب مؤسسات الرقابة وضعف القضاء، إستخدام جزء منها لشراء أصوات الناخبين. كما أنّها تساهم بعمليات تهريب كبرى نتيجة سيطرتها على المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية والتي تدرّ لها أموالا طائلة سنويّا. وقد بدأت هذه الأحزاب والميليشيات مؤخرا إنتاج الأقراص المخدّرة بمساعدة خبراء من دولة جارة ولم يكتفوا بإستيرادها وتصديرها الى دول أخرى بعد أن أصبح العراق رائدا في مجال الترانزيت، والأموال التي تجنيها هذه الأحزاب ومعها الميليشيات والعصابات كبيرة جدا. والأهّم من كل ذلك هو خطّة هذه الأحزاب بعيدة المدى في نشر الأدمان بين الشبيبة كعامل أساسي لأبعادهم عن المشاركة بالحياة السياسية ولاستمرار هيمنة هذه الأحزاب على السلطة. وما القرارات الهزيلة للدولة في مكافحتها للمخدرات وتجارتها وترويجها وتعاطيها وإعتبارها جنحة بعد أن كانت جناية في ظل كل العهود، الا دليلا صارخا على ترويج أحزاب وميليشيات متنفذة لهذه التجارة المربحة جدا إنتاجا وتوزيعا وتسويقا.

أنّ إنتشار دور الدعارة ومحلّات القمار في بلد كالعراق بحاجة الى ظهير قوي لكي يستمر، والظهير القوّي اليوم والدعارة والقمار ينتشران بسرعة قياسية بالبلد هي العصابات المسلحة التي تديرها أحزاب معروفة للجماهير. كما وتقوم هذه العصابات بالإتجار بالبشر عن طريق سرقة فتيات وفتيان وبيعهم لأغراض الدعارة داخل وخارج البلد. ولهذه العصابات دور كبير من خلال شبكة مافيوية منظمة ومدعومة من أحزاب مؤثرة بالسلطة بتجارة بيع الأعضاء البشريّة مستغلّين حاجة الفقراء للمال وما تجنيه هذه التجارة من أموال تستغلها هذه العصابات في إحكام قبضتها على الشارع العراقي. أمّا مسألة السيطرة على مزاد بيع العملة وتبييض الأموال التي تقوم به أحزاب السلطة، فأنها أصبحت أمر طبيعي بعد أن تناولت الصحافة أسرار هذا المزاد والمصارف التي تتعامل به والجهات التي تديرها ولحساب من. أنّ الثروات الهائلة التي تدخل في حسابات هذه الأحزاب ورجالاتها، تجعل من عملية تركها للسلطة أمرا غاية بالصعوبة وبحاجة الى جهود جبّارة وإرادة وطنية حقيقية للتغيير.

أنّ طاعون الفساد وهو يتفشّى بالمجتمع تحوّل اليوم الى وباء علينا مكافحته، ولمكافحة هذا الوباء فأننا بحاجة الى إرادة وطنيّة حقيقية والى أحزاب سياسيّة قادرة على التكيّف مع الأوضاع السياسيّة المعقّدة والأستفادة القصوى من فشل الأحزاب الإسلاميّة في إدارة الدولة والمجتمع. الإنتخابات على الأبواب، وأمام الناخب العراقي الواعي وهو يرى المآل الذي وصل إليه البلد، أن يساهم بفعّالية في تغيير هذا الواقع البائس عن طريق المشاركة بالإنتخابات بقوّة والتصويت للأحزاب والشخصّيات الوطنية التي لم تتلوث أياديها لليوم بجرائم القتل والفساد. لنمنح القوى الخيّرة الفرصة لإثبات نفسها من خلال التصويت لها بكثافة، ولنترك حسابات الحقل إن كانت مثل حسابات البيدر أم لا لما بعد الإنتخابات. كون هذه الإنتخابات وما رافقها من إصطفافات سياسيّة جديدة في الحياة السياسية العراقية، تركت ظلالا من الشك والمساءلة عند شرائح لا بأس منها من المجتمع، وهي الحصان الأخير لمن يخوضها في محيطها الجديد.

أنّ مركز قوّة الأحزاب الوطنيّة هي الجماهير المتضررة، فلتستفد هذه الأحزاب قدر الإمكان من نقمة هذا الجمهور عن طريق تسلّحها بالجرأة في كل مواجهة إعلاميّة مع تجار الموت والدمار هؤلاء، فشعبنا ينظر بإحترام كبير للجسور وغير الهيّاب والفطن.

دعونا ننتظر، ولنحتكم الى نتائج الإنتخابات لنرى إن كانت ستغيّر شيئا من اللوحة السياسية كالحة السواد التي عليها اليوم أم لا؟ كون فشل القوى الوطنية بتحقيق النجاح هذه المرّة يعني، أنّ طاعون الفساد سيتحول الى كارثة كبرى ستنهي ما تبقى من بلدنا. كما وسيضع تساؤلات كبرى أمام هذه القوى وهي تخوض تجربة جديدة وغير مسبوقة في التاريخ السياسي بالبلد، وقد تكون بل ومن المؤكّد أنّ بعض من هذه التساؤلات ستكون فرزا لما قبيل وما بعد الإنتخابات. ومن الضروري الجزم بأنّ الفشل الذي لا نتمناه لقوانا الوطنية الحقيقية سيفتح الباب مشرعا لإعادة هيكلة العديد منها.