عن تمسك طهران بنفوذها في المنطقة

إثارة موضوع نفوذ طهران في المنطقة في خضم المفاوضات النووية الجارية من قبل صحيفة "كيهان" ليست برسالة للغرب وإنما هي رسالة لدول المنطقة وللشعب الإيراني.

هناك عوامل عديدة جعلت من النظام القائم في إيران منذ 46 عاما نظام فريدا من نوعه ويجعله ذا خصائص ومميزات لا توجد عند غيره، ولكن من المهم هنا الاستدراك بأن أهم وأقوى عامل جعل هذا النظام متميزا عن غيره وحتى فريدا من نوعه، هو نفوذه في بلدان المنطقة، ذلك النفوذ الذي بناه على أساس عقائدي في ظاهره مع إحتفاظه بجوهر طائفي لا يمكن التستر عليه وإخفائه.

ليست شعارات الموت لأميركا وإسرائيل والمسرحية السنوية المسماة "يوم القدس العالمي"، هي من منحت النظام الايراني القوة والسطوة وإنما الامتداد الافقي لبلدان المنطقة وفرض نوع من الاحتلال الغريب من نوعه الى الحد الذي صارت فيه الاحزاب والميليشيات التابعة له فيها إيرانية أكثر من الإيرانيين وهذا أمر تفاخر به النظام الايراني لكونه حالة غير مسبوقة في العصر الحديث وهو الذي منحه القدرة الفائقة على إبتزاز ليس دول المنطقة فقط، بل وحتى البلدان الغربية.

وعندما تنشر صحيفة "كيهان" المحسوبة على المرشد الاعلى للنظام، علي خامنئي مقالا تؤكد فيه على إصرار النظام على التمسك بنفوذه في المنطقة، وتقول فيه بصراحة متناهية أن إيران، "وبعد 46 عاما من العداء مع أميركا"، دخلت المفاوضات الحالية "مع الحفاظ على مواقفها، وكذلك على جميع مواقع نفوذها الخارجي التي تعتبرها أميركا تدخلا إيرانيا"، وأضافت أن طهران "أوضحت خطوطها الحمراء في هذه المفاوضات، وأثارت شكوك الطرف المقابل في قدرته على تجاوز هذه الخطوط"، بحسب ما جاء في الصحيفة، فإن هذا الإصرار يلفت أنظار البعض ممن تصوروا بأن طهران سوف تتخلى عن نفوذها الاقليمي بعد الهزائم والنكسات القاسية والمذلة التي تعرضت لها في غزة ولبنان وسوريا. بيد أن الذي فات على تصور هذا البعض هو إن النفوذ الاقليمي بالنسبة لطهران يكاد أن يشبه الشريان الابهر للنظام، فهو سر وأساس تنمره على المنطقة والعالم وحتى تفاخره على الشعب الايراني وقيامه بدغدغة المشاعر القومية المتوارثة بالتأكيد على إن إيران قد تمكنت في ظل هذا النظام فقط من الوصول الى البحرين المتوسط والاحمر، وليس هذا فقط بل إن خطباء الجمعة الذين يتم تعيينهم من قبل مكتب المرشد الاعلى قد هددوا الشعب الايراني بميليشيات النظام في بلدان المنطقة في حال إنتفضوا ضده!

إثارة موضوع نفوذ طهران في المنطقة في خضم المفاوضات النووية الجارية من قبل صحيفة "كيهان" التي هي بمثابة اللسان الناطق بإسم جناح المرشد الاعلى للنظام ومن إن طهران تصر على هذا النفوذ، ليست برسالة للغرب وإنما هي رسالة لدول المنطقة وللشعب الايراني ولاسيما وأن الطرفين الاخيرين هما المعنيان أكثر بهذا الامر، ولكن مع ملاحظة إن هذه الصحيفة قد تماهت في تهويلها لموقف النظام في المفاوضات وإظهارها لواشنطن وكأنها الطرف الاضعف والمجبر على قبول خيارات طهران!

ما حدث في غزة وبعدها في لبنان ومن ثم سوريا، أشبه بلعبة تداعيات قطع الدومينو والتي قطعا لم تنته في سوريا، بل إنه مجرد توقف من أجل الاستعداد لإستمرار هذه اللعبة كي تشمل اليمن والعراق، وإن ما ذكرته صحيفة "كيهان" بهذا الصدد، ليس إلا كأحلام العصافير.