فرنسا تقطع خطوة دبلوماسية جديدة ترسيخا لمغربية الصحراء
الرباط – تتحرك فرنسا في خطوات ثابتة لترجمة اعترافها بمغربية الصحراء بإجراءات عملية تكريساً لحضورها الرسمي في الأقاليم الجنوبية للمملكة، حيث أشرف السفير الفرنسي بالمغرب كريستوف لوكورتييه الإثنين، على تمديد الخدمات القنصلية بمدينة العيون، في رسالة واضحة للجزائر بأن موقفها ثابت من هذه القضية وأن التصعيد واختلاق التوترات لن يغير من قرار باريس بهذا الشأن.
ويعتبر افتتاح مركزا قنصليا في مدينة العيون اعترافا صريحا بالشرعية السيادية للمؤسسات الوطنية بالصحراء المغربية، ورفض للمزاعم الانفصالية التي تدعمها الجزائر. ويعكس رغبة باريس في تعزيز علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية مع سكان الأقاليم الجنوبية، في إطار الشراكة المتجددة مع الرباط.
وشارك والي العيون عبد السلام بكرات في افتتاح المركز الرسمي للتأشيرات ليُنهي التمييز القنصلي ويدشّن عهدًا جديدًا من الشراكة المتكافئة بين باريس والرباط.
وعبّر السفير الفرنسي عن سعادته البالغة بافتتاح مركز الخدمات القنصلية، معتبراً هذه الخطوة تأكيداً واضحاً على التزام فرنسا بتوسيع حضورها القنصلي ليشمل مختلف جهات المملكة، بما فيها الأقاليم الجنوبية.
وأكد لوكورتييه في تصريحات أعقبت مراسم الافتتاح، أن هذا المركز سيوفّر لسكان جهة العيون الساقية الحمراء خدمة متقدمة لطلب التأشيرات، دون الحاجة إلى التنقل نحو الدار البيضاء أو مدن أخرى، مما يجسّد مبدأ "تقريب الإدارة من المواطن" ويعزز من العدالة المجالية في الوصول إلى الخدمات القنصلية الفرنسية.
السفير الفرنسي يؤكد أن افتتاح مركز التأشيرات لا يقتصر على بعده القنصلي، بل يُعد لبنة جديدة في الشراكة الاستراتيجية مع المغرب
وأشار الدبلوماسي الفرنسي إلى أن هذه المبادرة تنسجم مع الموقف الذي أعلنته باريس في يوليو/تموز الماضي، من خلال رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، والتي تضمنت تأكيداً صريحاً على دعم فرنسا لمغربية الصحراء.
ويُعد افتتاح المركز الأوروبي في مدينة العيون مؤشراً دبلوماسياً له أبعاد استراتيجية، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تشهد دعماً متزايداً لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل نهائي وواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة الفرنسية تُشكل رسالة واضحة لخصوم وحدة المملكة وسيادتها الكاملة على أراضيها.
وكثفت الجزائر وبوليساريو في الفترة الأخيرة تحركاتهما لإعادة الملف إلى الواجهة الأممية، مستغلين التحولات الجيوسياسية الدولية. غير أن باريس، بافتتاحها مركز التأشيرات في العيون، تساهم في إجهاض هذه المساعي، وتوجه إليهم ضربة دبلوماسية للمشروع الانفصالي.
وشهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا توترًا متزايدًا، خاصة بعد دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء. حيث ردت الجزائر بسحب سفيرها من باريس وطرد دبلوماسيين فرنسيين، مما يُظهر أن ملف الصحراء أصبح عاملًا مؤثرًا في علاقات الجزائر مع القوى الغربية. وهذا التوتر يُضاف إلى العلاقات المتوترة أصلًا بين الجزائر والولايات المتحدة، خاصة بعد التقارب المغربي الأميركي.
ومنيت الجزائر بهزيمة دبلوماسية الجزائر مع الخطوات المتواصلة لافتتاح قنصليات وتمثيليات دبلوماسية بمدينة العيون، بعد مواقف مماثلة اتخذتها دول كبرى مثل الولايات المتحدة، إسبانيا، وألمانيا، ما يعكس تحولاً جوهرياً في تعاطي المجتمع الدولي مع هذه القضية.
وختم السفير الفرنسي كلمته بالتأكيد على أن افتتاح مركز التأشيرات لا يقتصر على بعده القنصلي، بل يُعد لبنة جديدة في الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا، تشمل مجالات التعليم العالي والثقافة، والاقتصاد والتنقل المهني، بما يُعزز من الروابط المتينة بين الشعبين ويدعم مسارات التنمية في مختلف جهات المملكة.
وتضمنت جولة لوكورتييه، في العيون، زيارة إلى المدرسة العليا للتكنولوجيا، في إطار الجهود المتواصلة لتعزيز التعاون الثقافي والتعليمي بين المغرب وفرنسا، حيث تم افتتاح المقر المؤقت للرابطة الفرنسية ما يعكس إرادة باريس في دعم المشاريع ذات البعد التربوي والانفتاح الثقافي، خاصة في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ويُعد هذا المشروع خطوة عملية تؤكد التزام فرنسا بدعم جهود التنمية البشرية والتكوين في الصحراء المغربية، كما يترجم رغبة البلدين في توطيد روابط الشراكة متعددة الأبعاد، لا سيما في المجالات ذات الأولوية مثل التعليم العالي، التكوين المهني، والتبادل الثقافي.
وتتماشى هذه الزيارة مع ما ذكره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى المغرب بخصوص مواصلة الوكالة الفرنسية للتنمية والشركات الفرنسية دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية للملكة.
وتم توقيع عدة شركات فرنسية اتفاقيات لإنتاج الطاقة المتجددة بالصحراء المغربية، "والتي تتمتع بإمكانات هائلة في هذا المجال"، وأكد الرئيس الفرنسي أن المنطقة تتميز بمناخ مناسب يعزز إنتاج الطاقة الشمسية والريحية، مما يجعلها وجهة جذابة للاستثمار.
وأشار في لقاء اقتصادي جمع بين المقاولات المغربية والفرنسية بالجامعة الدولية بالرباط، بتنظيم من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن الشركات الفرنسية يجب أن تعمل على الاستثمار في الصحراء المغربية، معتبرًا أن "قرار بعض الشركات الخروج من القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة كان خطأ".
كما أعلن في الوقت نفسه عن تعزيز الحضور القنصلي والثقافي للجمهورية الفرنسية بالأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال القنصلية الفرنسية في أكادير، فضلا عن فتح مدارس فرنسية ستشرع في منح شهاداتها بمدينة الداخلة.
ويؤكد محللون أن قضية الصحراء المغربية لعبت دورًا محوريًا في ترسيخ حضور المغرب على الساحة الدولية. فرغم كون هذا الملف يمثل تحديًا جيوسياسيًا معقدًا، إلا أن المملكة نجحت في تحويله إلى ورقة دبلوماسية فاعلة تعزز من شرعيتها الدولية، خاصة بعد تزايد عدد الدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، التي تُعتبر حلًا واقعيًا وذا مصداقية.