لبنان الحر هو صدمة إيران في اندحارها

لا يمكن القبول بعد ما تعرض له لبنان من وقائع مأساوية بالثنائية القديمة: ثنائية الدولة وحزب الله.

لبنان في انتظار مسيرة جنائزية ربما ستكون الأخيرة في تاريخه الحديث. تلك هي الجنازة الرسمية لزعيمي حزب الله السابقين حسن نصرالله وهشام صفي الدين اللذين قُتلا في الحرب الأخيرة ولم تتح الظروف لأعضاء ومناصري الحزب تشييعهما بما يناسب مقامهما الرفيع.

ذلك أمر لن يتعرض عليه أحد من اللبنانيين بسبب طابعه الرمزي الذي لن يسيء إلى أحد على الرغم من شعور البعض بأن قد تكون واحدا من المشاهد التي سيسعى الحزب من خلالها إلى استعراض قوته التي تم تضييق الخناق عليها ولم تعد مؤهلة للتجييش الطائفي.

المؤكد أن حزب الله لم يعد سوى كتلة بشرية بسلاح تمت الموافقة بطريقة ضمنية على تسليمه إلى الجهة الوحيدة المخولة بامتلاك السلاح وهي الدولة.

ما لم يسلم مقاتلو حزب الله سلاحهم فلا معنى لكل التغيرات الجذرية التي شهدها لبنان على مستوى سياسي. فالعهد الجديد هو مرحلة يغيب فيها السلاح المنفلت وتظلل الدولة بقانونها كل متر من الأرض اللبنانية.

لا يمكن القبول بعد ما تعرض له لبنان من وقائع مأساوية بالثنائية القديمة. ثنائية الدولة وحزب الله. دولة داخل دولة تهيمن عليها وتلحقها بها في الحرب متى تشاء. مثلما نجح العهد الجديد في إنهاء الإقطاعيات السياسية التي كانت سائدة فقد صار عليه أن ينهي تلك الثنائية ويكون للبنانين دولة واحدة بغض النظر عن طوائفهم.

آن الأوان لكي تكون المواطنة هي الأساس الذي يستند عليه اللبنانيون في علاقتهم بالدولة وأبناء الطائفة الشيعية ليسوا استثناء في ذلك. بل أن من مصلحتهم أن يستعيدوا مواطنة حُرموا منها لسنوات طويلة.

حين استعادت الدولة اللبنانية مطار رفيق الحريري وهو مطار بيروت الدولي فإنها أنهت مرحلة كانت دولة حزب الله قد استباحت الفضاء اللبناني وكان كل من يدخل إلى لبنان أو يغادره خاضعا لرقابة إيرانية بحيث تحول فضاء لبنان إلى ساحة مفتوحة للتهريب. تهريب البشر والمخدرات والسلاح والأوبئة.

اليوم صار على الحكومة اللبنانية أن تتصرف بناء على تجربة الماضي المرير. صار على اللبنانيين أن يتعلموا شيئا من التجربة القاسية. إنهم يعرفون جيدا أن كل ما يأتي من إيران مشكوك فيه. صار على شيعة لبنان أن يدركوا أن زياراتهم الدينية إلى مشهد ستكون تحت المجهر. ذلك من مصلحتهم لكي لا يُغرر بهم إيرانيا فيكون الولاء المذهبي ممرا لخلخلة الأمن والاستقرار في وطنهم.

لقد انتهى زمن حزب الله. غير أن ذلك لا يعني نهاية عصر الدسيسة الطائفية. لا تزال إيران تعتقد أنها قادرة على اللعب بمصير لبنان الوطني من خلال سيطرتها المذهبية على جزء من الطائفة الشيعية وهو الجزء الذي لا يزال بسبب جهله وضعف وطنيته وعدم ثقته وإيمانه بالدولة غير قادر على اكتشاف الخطر الإيراني الذي هو سبب كل الكوارث التي ضربت العالم العربي لبنان منه.

قد تضطر الحكومة اللبنانية في وقت قريب إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ذلك إجراء قد يبدو مستبعدا غير أن السلوك الإيراني غير المسؤول ربما يؤدي إلى تدهور العلاقات بين البلدين في ظل شعور لبنان ان إيران لا تزال تعتبر نفسها راعية لجزء ليس صغيرا من مواطنيه.

إيران في حالة صدمة وهي لن تصدق أن هيمنتها على لبنان قد انتهى زمنها وأنها لن تستطيع استباحة أي جزء من أرضه أو فضائه. لذلك فإن واحدة من أهم المهمات التي ستواجهها الحكومة اللبنانية تكمن في إقناع إيران بأن لبنان لم يعد ملعبا لمغامراتها وعليها أن تكف عن استدراج اللبنانيين إلى الموقع الذي يكونون فيه محل شبهة.

المخاض اللبناني لن يكون يسيرا. لقد تمت سرقة جزء من شعبه بتضليل عقائدي وعن طريق غسل منظم للعقول استمر عقودا. غير أن هناك ما لا يمكن الإبطاء به. أن تسيطر الدولة اللبنانية مثلا على منافذها الحدودية ومنها مطار بيروت الذي يمكن من خلاله نقل الأموال التي تضمن استمرار الولاء.

سترى إيران في مشهد المسيرة الجنائزية التي تشهدها بيروت نوعا من إحياء ذكر رجلين كانا مخلصين لها وكانا أشد ولاء لها من الإيرانيين أنفسهم. غير أنها سترى في تلك المسيرة أيضا لحظة وداع لماضيها الاستعماري.

لبنان الحر هو ما يوقظ الإيرانيين من أوهامهم التي صار التفكير فيها مدعاة للسخرية.