لم تخذلنا نشرة الأنواء الجوية


الشمس الحارقة ليست ملائمة لبلاد العم شكسبير، ستفسد كل شيء بما فيها علاقات الناس مع بعضهم البعض، الأعصاب هادئة هنا لأن الشمس الحارقة غائبة.
الحياة لا تكتمل في الأجواء الساخنة، والمشاعر لا تعيد تأهيل نفسها إلا في طقس شتائي

دعك من تذمر البريطانيين من الطقس، إنه أمر خاضع للثقافة السائدة ومتوارث أكثر مما هو رفض، البريطاني يسافر لكنه لا يقدر على العيش من دون طقس بلاده الرائق! لندن مدينة شتوية بامتياز والخريف فيها أشبه بلوحة عاطفية تعيد اتساق الإنسان مع نفسه.

الشمس الحارقة ليست ملائمة لبلاد العم شكسبير، ستفسد كل شيء بما فيها علاقات الناس مع بعضهم البعض، الأعصاب هادئة هنا لأن الشمس الحارقة غائبة، وغير مرحب بها، ليس بسبب سرطان الجلد الذي تسببه لكن البلاد بوصفها متحفا كبيرا لا تتواءم مع الطقس الساخن.

لذلك فشلت هذا الأسبوع كل تحذيرات وتخويفات نشرات الأنواء الجوية في بريطانيا من طقس ساخن يحرق الأخضر واليابس.

لم يحدث مثل هذا الأمر وفشلت توقعات النشرات الجوية، وعشنا أسبوعا طبيعيا في لندن على الأقل باستثناء ظهيرة يوم السبت الماضي عندما تجاوزت درجة الحرارة الثلاثين، لكنها عادت إلى طبيعتها مساء وكأنها لا تجرؤ على مسّ مشاعر الناس.

الصور والتقارير الصحافية صنعت صورة مضخمة عن طقس لاهب مخيف بل إن وسائل إعلام بريطانية نقلت عن جيروم ديسبي صانع نبيذ ونائب رئيس أبرز نقابة زراعية في فرنسا قوله “أنا مزارع عنب منذ 30 عامًا، ولم أرَ في حياتي كرومًا تحترق بسبب الحر كما حصل أمس″.

قد يكون هذا الحال في فرنسا وهي دولة متوسطية في كل الأحوال، لكن لا يمكن القياس عليه في الجزر البريطانية خلال الثلاثين عاما الماضية. لقد مرت علينا أيام ساخنة لكنها لم تصمد أكثر من أسبوع واستعادت بريطانيا حيويتها الشتائية، كما حدث هذا الأسبوع.

قد أبدو متطرفا في رأيي الشتائي لكن من يعيش هناك في بلاد الشمس الساطعة يعرف جيدا أن شمس يوليو وأغسطس مغموسة في جهنم، وهذا سبب كاف يجعلنا نحتفي بالطقس البارد في بريطانيا.

صحيح هناك طقس متقلب وغير ثابت وعليك أن لا تنسى استعدادك للمظلة والمعطف فهما يبدآن بميم تكاد تكون بنفس أهمية ميم المحامي. لكن ذلك لا يشكل سببا للتذمر مثل الذي يظهره الناس في البلاد الساخنة حد القرف.

مازلت أتذكر كيف مر علينا شهرا يوليو وأغسطس في أحد أعوام بداية الألفية الجديدة ونحن لم نغير ملابسنا الشتوية، بقينا نرتدي معاطفنا على مدار عام كامل، وهي ذكرى جميلة لا تقارن بالأيام القليلة التي نعبر فيها عن سعادة مفتعلة عندما نرتدي سراويل قصيرة وقمصانا بنصف أكمام.

الحياة لا تكتمل في الأجواء الساخنة، والمشاعر لا تعيد تأهيل نفسها إلا في طقس شتائي، ستقرأ أكثر وتكتب وتمارس هدوءا جليلا في هذه الأجواء، لكن لا أحد يعدنا بأنه لا يفقد أعصابه في يوم صيف لاهب!