ما الذي ينتظر سوريا؟
ما حدث في سوريا يقول ببساطة إن هيئة تحرير الشام وهي جبهة النصرة سابقا قد انتصرت أخيرا. وجبهة النصرة بغض النظر عن تصنيفها أميركيا باعتبارها تنظيما ارهابيا كانت قد بايعت أيمن الظواهري زعيما. ألا يكفي ذلك لكي يكون واضحا مصير سوريا؟
ولكن سوريا الأسد ما كان لها أن تستمر إلى الأبد وهي لا تملك الأسباب التي تؤهلها لكي تكون كذلك. في حقيقة ما حدث لم يجر أي تغيير على المعادلة القديمة. لا التنظيم الإرهابي المسلح صار أقوى ولا الجيش العربي السوري تبخر فجأة. الأمر ببساطة يكمن في تهالك نظام بشار الأسد مما يعني أن كل شيء كان جاهزا لاستقبال القادمين من إدلب في ظل اليأس الذي سيطر على الحليفين الكبيرين.
إيران وقد هزمت في لبنان بشكل نهائي وهو ما شكل ضربة قاسية لمشروعها التوسعي في المنطقة وروسيا بعد ثلاث سنوات من الحرب العبثية في أوكرانيا وقد صار الإغراء الأميركي الأوروبي يدق أبوابها منحة أخيرة قبل أن تواجه فشلها الذي قد لا تطيق مقاومته.
سلم الأسد دمشق بعد أن كان قد تمسك بها طوال أكثر من عقد من الزمان باعتبارها مجاله الحيوي الوحيد بعد أن تحولت سوريا إلى إقطاعيات، الجزء الأكبر منها وقع في أيدي الأكراد الذين حظيوا برعاية أميركية مباشرة فيما توزعت الأجواء الأخرى بين التنظيمات المسلحة، هيئة تحرير الشام وحليفاتها وحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية.
اما إذا تعلق الأمر بالجيش العربي السوري فلقد كشفت الأحداث ومنذ عام 2011 أن سوريا في واقعها لم تكن تملك جيشا حديثا حقيقيا. كان الجيش الذي ذهب إلى درعا في بداية الحراك السلمي المعارض لا يصلح سوى لقتال المدنيين وقد شهدت فصول الحرب أن معارك الدفاع عن المدن وتحريرها من احتلال التنظيمات العقائدية المسلحة وجبهة النصرة في مقدمتها لم يخضها ذلك الجيش، بل حسمها الطيران الروسي وميليشيات إيران على الأرض.
كان الجيش العربي السوري كتلة بشرية هزيلة مزودة بخردة سلاح روسي لا يساوي ثمن حمله. ولأن الرئيس السوري السابق يعرف تلك الحقيقة ولم تكن ظروفه تسمح بتحديث ذلك الجيش لذلك فإن وضع مستقبل نظامه ومستقبل سوريا بين أيدي حلفائه الروس والإيرانيين الذين اعتقد بسبب فقر خبرته السياسية أنهم لن يتخلوا عنه أو على الأقل أنهم لن يتخلوا عن سوريا.
لقد توهم بشار الأسد عبر الـ 24 سنة من حكمه وارثا للبلاد والعباد أنه محلل سياسي بارع بل ومارس غير مرة نوعا من التثاقف السياسي في مؤتمرات القمة العربية غير أنه في كل تصرفاته على المستويين المحلي والعربي كان أقل من أن يكون صبيا متدربا مصابا بقصر نظر شديد. فالرئيس الذي تعامل مع المطالب الشعبية التي بدأ بها الحراك الشعبي بفوقية وسخرية كان قد تعالى على النصائح التي قُدمت له من غير دولة عربية كان مسؤولوها يدركون حجم الكارثة التي تنتظر سوريا إذا ما استمر حاكمها في الخضوع للأجهزة الأمنية ولحزب البعث الذي لم يعد سوى جهاز أمني لا علاقة له بشعاره في الوحدة والحرية والإشتراكية.
سيُترك أمر التفكير في حقبة بشار الأسد للسوريين الذين صار عليهم أن يندبوا حظهم بعد أن سلمهم الأسد لعدوه ابي محمد الجولاني أو أحمد الشرع وهو عضو سابق في تنظيم القاعدة وسبق له أن قاتل بمعية أبي مصعب الزرقاوي ومن ثم تعهد بالولاء لأيمن الظواهري وبايع أبا بكر البغدادي يوم أعلن قيام دولته الإسلامية في العراق والشام. كل هذا يؤكد أن دولة مدنية لن يقوم لها أساس في سوريا. أو لنقل إن الأسد بسبب عدم تمتعه بمؤهلات القيادة السياسية قد أنهى بضربة واحدة الحياة المدنية في سوريا. فعلى الرغم من نظام الاستبداد الذي استمر أكثر من خمسين سنة كانت سوريا دولة مدنية، فيها المواطنة ناقصة غير أن المواطن فيها لم يكن يُعامل حسب دينه ومذهبه وطائفته.
مأساة سوريا تكمن في أنها ستكون المختبر الأول لقيام دولة التنظيمات الإرهابية المسلحة التي هي خلاصة لتجارب تلك التنظيمات بدءا من القاعدة وانتهاء بداعش. وما اشد تفاهة العالم وسخفه ودناءة أخلاقه وانحطاطه إنسانيا حين يعترف بتلك الدولة التي تستخف بالقانون الدولي ولا تعترف بحقوق الإنسان ولا تعد مجتمعها إلا بقيود الشريعة.