ما فائدة الدساتير العربية؟

الدساتير ما هي إلا "عدة الشغل" بالنسبة للحاكم، و"خيال المآتة" بالنسبة للشعوب.

في مقال سابق لي بهذه الصحيفة المتنفس، طرحت سؤالاً بقي حائراً بلا إجابة، وهو: "احترام الرؤساء للدستور: اختيار أم اجبار؟" وعلى ما يبدو أنني وغيري أدركنا بالتجربة العملية أن لا أحد من المواطنين سيتمكن من ممارسة حرف واحد مما جاء به الدستور من عبارات حاسمة حازمة تؤكد على الحفاظ على الكرامة الإنسانية، والحق في الاعتقاد، والحرية في إبداء الرأي والتعبير عنه بكل الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة، وحق المواطن في اللجوء لقاضيه الطبيعي، وحرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب، والحق في العمل والتنقل والهجرة، وغير ذلك من الحقوق السامية كصون الحياة الخاصة وحماية الجسد الإنساني من كل أنواع الممارسات التي تعرضه للخطر، مع عدم سقوطها بالتقادم ما يعني عدم الإفلات من العقاب.

كما أننا لن نستطيع أن نستمتع ولا حتى بالأحلام بإحدى روائع الدستور وهي الخاصة بتحديد مدة الرئاسة وقصرها على مرتين فقط، وأصعب ما وقر في نفوسنا أن علينا أن نتغابى أو نتعامى وننسى للأبد أروع روائع مواد الدستور التي تمنع الاقتراب بالتعديل من مدد الرئاسة ومواد الحريات، إلا إن كان ذلك بقصد إدخال المزيد من الضمانات. يا إلهي، لقد خدعونا حين قالوا لنا أنه تمت إدارة الظهر لحقبة من الماضي السحيق، ودلسوا علينا حين وعدونا بولوج المستقبل متخلصين من كل ما يؤخر أو يعيق؟

يحضرني الآن، وبعد خمس سنوات ظل فيها دستورنا الرقيق في سبات عميق، أوبريت الحبيب المجهول للمطربة الجميلة ليلي مراد، وهي تُردد لكل خطابها عبارة بليغة لا تتغير:

كلام جميل وكلام معقول، ما أقدرش أقول حاجه عنه

لكن خيال حبيبي المجهول، مش لاقيه فيك حاجه منه.

وأخشى أن أقول وأنا في تلك المرحلة المتسللة من عمري أنني كغيري أخذت الدستور على محمل الجد، ولكن الأيام أثبتت أن ما تأخذه الشعوب على محمل الجد، يأخذه الحكام على محمل اللهو.

ولإجابة سؤال عنوان هذا المقال، فقد استنتج الجميع أن الدساتير العربية لم توضع لمصلحة المواطن أو الوطن، إنما صُممت في الأساس وخصيصاً لصالح الحكام. فالدساتير بالمعنى الشعبي الدارج ما هي إلا "عدة الشغل" بالنسبة للحاكم، و"خيال المآتة" بالنسبة للشعوب. فهي جسد خامد ملقٍ في غياهب الجب إذا طلب الناس حقوقهم المنصوص عليها فيها، ولكنها تُنفخ فيها الروح وتُبعث للحياة، حين يحتاج إليها الحاكم العربي لتمديد فترات حكمه وقصر الحكم عليه وحده إلى يوم يبعثون، فسبحان من يحي العظام وهي رميم.