متى نتخلص من ظاهرة الرئيس الرب؟

الحياة سائرة وتسير ولا تتوقف حركتها حين يغيب فرد. أين عبدالناصر والسادات ومبارك؟

منذ ما يُقارب السبعون عاماً، ونحن نسمع عبارة لا يكل قائلوها ولا يملون، كلما دعت الحاجة إلى تمرير إجراءات سياسية أو اقتصادية صعبة، أو قفزت الرغبة لإدخال تعديلات على أنظمة دستورية وقانونية قائمة، تلك العبارة هي: أن مصر، بحاجة إلى الاستقرار، ولا يُمكن ذلك إلا ببقاء الرئيس وحده في المشوار. ودوماً تتردد نفس العبارة مع كل رئيس، بدءاً من جمال عبدالناصر، انتقالاً لأنور السادات، ومروراً بحسني مبارك، ووصولاً لعبدالفتاح السيسي، ولم أقل انتهاءً بالسيسي، لأن تلك العبارة ستستمر بسماعها الأجيال المتعاقبة، فقد أصبحت حالة مرضية مزمنة، لا شفاء منها.

في عصر كل رئيس، يخيفوننا بسقوط مصر في أيدي الأعداء المتربصين بها إذا ما رحل الرئيس عن منصبه. وكم زعموا أن الوطن لا يُمكن أن يكون له وجود إلا بوجود الرئيس، وأن المستقبل لن يعرف عنوان مصر إلا مقروناً بالرئيس، فعليكم الاختيار، وما يشكك في ذلك إلا الأشرار.

وقد أثبتت الأيام والليالي، خطأ ما يقولون، فلا يُمكن أن يتقبله العقل السليم. فالحياة سائرة وتسير ولا تتوقف حركتها حين يغيب فرد، مهما كانت ملكاته وإمكانياته. فقد رحل جمال عبدالناصر ولم تسقط مصر، وتم اغتيال أنور السادات وبقيت مصر، وتم خلع حسني مبارك وعاشت مصر، وسيذهب السيسي، وتحيا مصر، إنه بشر. ويبقى العامل المشترك بين جميع الرؤساء، أنهم ظنوا وما زالوا يظنون أنهم باقون ودائمون، وتلك خطيئة كبرى إن كانوا يعلمون.

ما يحيرني في الرؤساء العرب، أنهم يتقمصون شخصية الرب، ولا يتصفون بصفاته، ويعدون ويتوعدون ولا يمتلكون قدراته، فما الذي يعميهم عن رؤية والواقع وبعدهم عن فهم التاريخ؟ هل هي غمامة على عيونهم تمنع عنهم رؤية ما جرى للأول والأخير؟ أم هو الغرور الذي يستدرجهم إلى ذات المصير؟

إن التجربة العملية لحقبة الرئيس الرب منذ جمال عبدالناصر، وصولا لحقبة حسني مبارك، لم تستطع أن تمكن مصر من السير بجوار الدول التي بدأت معها كاليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا على سبيل المثال، بل إن كل رب من الأرباب الثلاثة ظل يفتعل المعارك مع المجهول الأمر الذي أدى بمصر إلى التقهقر إلى الخلف أبعد مما كانت عليه قبل حركة الضباط الأحرار عام 1952، ومع أن تلك النتائج هي الدلالة المبصرة الواضحة على خطأ الطريق، إلا أن البعض ما زالوا على إصرارهم بالسير فيه، فهل هي عيون غير مبصرة أم عقول متحجرة؟

والخلاصة التي يريدون إقناع الشعب بها هي أن مصر أصابها العقم عن ولادة الرجال، وإنه لا رجل فيها إلا الرئيس. فيا لها من أكذوبة تخطت المكان، وكارثة سيبقى ضررها على مر الزمان.