مزحة كئيبة في سيرك عجائبي

هل علينا أن نصدق أن لبنان والعراق واليمن هي دول يتهددها عدو خارجي؟

يتمنى المرء أن لا تكون هناك دولة فاشلة في بلاده. أن لا تُقدم بلاده باعتبارها مأوى لأكثر الفاسدين في التاريخ فسادا. أن لا تتألف النخب الحاكمة في بلاده من أولاد شوارع سابقين، لم يتعلموا سوى لغة السلاح.

غير أن الواقع لا يلتفت إلى الأماني الطيبة. فما جرى ويجري في أجزاء من عالمنا العربي لا ينبئ بالخير. هناك قوة شريرة في مكان ما من العالم تجد أن ليس في مصلحتها أن تعيش شعوب بعينها الحياة التي تستحقها انسجاما مع ما وهبتها الطبيعة من ثروات وخيرات وعقول. لقد انقلبت كل الموازين. فصارت الثروة والرفاهية والترف والمكانة العالية من حصة اللصوص والأفاقين والفاسدين وعديمي الضمير والمزورين والمهربين. أما الشرفاء والمفكرون والعلماء وأصحاب الضمائر الحية والأرواح الوطنية النزيهة والبناة الحقيقيون فإن مصيرهم أن يشقوا ويعزلوا وتنقطع أخبارهم ويُشردوا وتُكتم أصواتهم. إنه عالم مقلوب صار يتاجر بالموت على حساب الحقيقة. وهو ما يتم تسويقه من خلال تنظيمات وأحزاب وميليشيات احتكرت القضايا الوطنية في إطار صفقات تتعاون شركات محلية وعالمية على إدارتها.

الشعوب التي ترفع من شأن أحط أبنائها تزداد تخلفا مع مضي الوقت فهي أشبه بحجر أنزلق إلى هاوية لا قاع لها. وهي عن طريق الانقلاب على الحقائق التي تحكم التاريخ وإدارة الظهر لأسباب التقدم التي أخذت بها شعوب أخرى انما تحفر قبرها بنفسها. لا تنفع الشعارات المدعومة بالسلاح التي يتم تداولها من أجل رفع المعنويات في إخفاء عمليات التضليل والاحتيال والخداع والتزييف والكذب.

فعلى سبيل المثال يمكن النظر إلى دول تهيمن عليها الميليشيات باعتبارها دولا خارجة على القانون، لا تملك مجتمعاتها القدرة على بناء حاضرها فهي مجتمعات محكومة بالسلاح، تبدأ به وتنتهي إليه. والسلاح إن كان بديلا للعلم والكفاءة والخبرة والثقافة فإنه لن يصنع إلا وهما لقوة يمكن فناؤها في أية لحظة. الشعوب التي ترهن حيويتها للسلاح هي شعوب تقضي على نفسها بنفسها وليس الأمل الذي يتداوله بلغاؤها سوى موقد نار يحرق ما لديها من أفكار عن الغد. الأمل خرافة أما الغد فإنه يكون أشبه بالعدو إذا ما سيطر التفكير في الماضي على خيال الشعوب. ألا يعيش الجزء الأكبر من شعوبنا في الماضي؟

ما من أحد يمكنه أن يعترض على حق الشعوب في أن تقاوم. المقاومة حق تفرضه الطبيعة والقوانين. كان الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن قد اعترف يوم احتلت بلاده العراق بحق العراقيين بالمقاومة. قال ذلك بكلام صريح. والمقاومة فكرة وطنية وإنسانية نبيلة. أما أن تشهر الميليشيات سلاح المقاومة من أجل فرض أجندتها على الشعوب لتضعها ومعها الدولة تحت سيطرتها فذلك أمر يخرج عن المنطق ويبتذل الفكر المقاوم. ذلك ما يحدث اليوم في العراق واليمن ولبنان. فبعد أن استولى المقاومون على تلك الدول ونهبوا ثرواتها وصادروا القرار السياسي فيها لم يعد للشعوب مكان على أرضها. لقد تحولت دول إلى ثكنات عسكرية لا عمل لها سوى بث الرعب والفزع والخوف في قلوب مَن لا يملكون بطاقة للدخول إليها.

لقد صار العدو الخارجي مجرد حكاية دعائية يغلب عليها التهريج. وهو ما يعني أن كل دولة استولت عليها المقاومة قد تحولت إلى سيرك تديره عصابات متخصصة بنهب الأموال واغتصاب الأراضي وتهريب المخدرات. في المقابل ليست إسرائيل وهما. ولكن مقاومتها عن بعد هي أشبه بمزحة سوداء كئيبة. هل علينا أن نصدق أن لبنان والعراق واليمن هي دول يتهددها عدو خارجي؟ تلك دول فُككت من داخلها وغُيبت إرادتها الوطنية من أجل أن توضع على خريطة المشروع التوسعي الإيراني. مخططو ذلك لمشروع يكذبون حين يتحدثون عن فلسطين. فلا وجود لفلسطين على خريطتهم. تلك خريطة تحاشى واضعوها الوصول الى إسرائيل أو التماس بها. أما محاولات إيران لإزعاج إسرائيل فهي تعبر عن رغبتها في تذكير الولايات المتحدة بوجودها إذا كانت نستها. تضحي إيران بعملائها من خلال الزج بهم في حرب بالوكالة لكي تقول "تذكروني".   

فشل العراقيون في إقامة دولة على أنقاض الدولة التي هدمها الاحتلال الأميركي وفشل اللبنانيون في الحفاظ على وفاقهم الطائفي الذي مزقته الحرب الأهلية وزاده حزب الله تمزيقا وفشل اليمنيون من الاستفادة من فرصة سقوط النظام السياسي القديم حين ذهبوا إلى ظلامية طائفية لم يتعرفوا عليها من قبل وعبر كل ذلك فُنيت دول حين صار فاسدوها عناوين لمجتمعها ومُحي غدها حين صار الالتفات إلى الماضي نوعا من المقاومة. أما حين صار الفاسدون سادتها فقد صار عليها أن تخرج من العصر بمحض إرادتها.