"مقال افتتاحي" يعري واقع العمل الصحفي
الرباط ـ يواصل الكاتب والباحث المسرحي محمد زيطان، إغناء الخزانة المسرحية المغربية والعربية بنصوصه المتميزة، فبعد "غجر منتصف الليل" و"سيدة المتوسط" و"قصر البحر" و"اكليل الجبال الريفية" و"رحلة إلى الجنوب"، ينشر مؤخرا نصا دراميا جديدا عنونه بـ "مقال افتتاحي" وهو صادر عن مطبعة الخليج العربي بدعم من وزارة الثقافة المغربية في إطار توطين فرقة مسرح المدينة الصغيرة ويقع في 116 صفحة من القطع المتوسط. النص قدم له المؤلف المسرحي محمد بهجاجي بكلمة جاء فيها "يضعنا نص (مقال افتتاحي) لمؤلفه الباحث والمبدع المسرحي محمد زيطان أمام مداخل متعددة لمقاربة دلالاته ومقترحه الجمالي: أول المداخل يرصد مختلف التبدلات العميقة التي تلحق بالفرد، وهو يتحول من شرط اجتماعي نفسي إلى آخر مختلف، وما يعنيه ذلك من تراجيديا التجاذب بين الصعود والأفول، أو التسلق والتدحرج... وكل الأشياء وأضدادها، وما يعنيه أيضا من نوبات تمزق الفرد، حيث يصبح السقوط أعمق معنى، حين تتصدر المشهد شخصيات بعمق روائي يجعلها تحيا الحاضر مسكونة بسيرة ماض مؤذٍ، يصعب التخلص منه."
وهو ما تصوره المسرحية التي تمتد على أحد عشر مشهدا، ساحبة المتلقي إلى عالم يعرف الكثير من التناقضات والمستجدات والتحولات، حيث يسهل على الانسان ان يغير قناعاته ومبادئه كما يغير قناعا في مسرحية هزلية، حسب المصالح والأهداف المتغيرة و المتحولة. فالنص بسيرورته الدرامية يرصد لقاء مدبرا بين حسان البدري وفريدة.. صديقان من زمن الدراسة الجامعية، جمعهما حب الشعر والمسرح وربطتهما الهواجس الفكرية والفلسفية والسياسية، لكن بعد مرور مدة طويلة يلتقيان فنجد أنفسنا أمام شخصيتين متناقضتين حد الصراع والتنافر، فالبدري لم يعد يرى في صديقته القديمة ــ الصحفية الناجحة ــ سوى قنطرة إعلامية ليصفي حساباته الشخصية، وهي بالمقابل تنغلق على نفسها متوهمة ان العالم يمكن ان يُرسَم وفق قناعاتها. هو يرى بأن المقال الصحفي يمكن أن يشترى، فيكتب وفق إملاءاته ومصالحه، وإذا لم يتمكن من شرائه فسيرغم صاحبه على الإذعان والرضوخ لكتابة ما ينبغي أن يكتب، وإن كانت الوسيلة الجبرية دنيئة، فيها تهديد بالفضيحة ونشر تفاصيل الحياة الخاصة على المواقع الإجتماعية: "فكري جيدا..لا تجعلي رأسك كحجر الصوان.. إسداء خدمة لصديق قديم، خير من فضيحة مجلجلة، فضيحة من العيار الثقيل يا فريدة. هل تستوعبين ذلك؟ (ص 49).

وهي ترى بأن الكتابة الصحفية مبدأ ومغامرة لا يقيدها مستغِل ولا يوجهها صاحب نفوذ أو سلطة: "يؤسفني أن أخبرك بأنك تطلب المحال سيد حسان البدري. أكرر لك بأني لا أعمل تحت إملاءات أو ما شابه. خير لي أن أترك مهنة الصحافة على أن أتحول إلى قلم مأجور" )ص 45).
وبين هذا وذاك تحضر شخصية نادل المقهى بإحباطاتها وهواجسها، النادل الذي كان يحمل سابقا صفة "الراقصة منار" لعمله في "السويرتي" كراقص وموزع أوراق اليانصيب، وهو يكن كل العداء لحسان البدري ويحلم في المقابل بالهجرة إلى ألمانيا. وما يزيد الخيط الدرامي تعقيدا هو حضور "فاتن" زوجة الطاهر الزهراوي، رجل السياسة والأعمال والعدو اللدود لحسان البدري إلى نفس المقهى، حيث تكشف عن سر هروبها من المنزل وتبوح لفريدة بأسرار متعددة تغير مسار الأحداث وتضع الرجل ــ ليس ككيان بيولوجي بل كمفهوم وكمبدأ ــ موضع تساؤل.
مسرحية "مقال افتتاحي" باختصار رصد لهواجس الإنسان حين يحس بأن العالم ليس دائما كما نتصوره. وحين تصبح الحقيقة ضائعة بسبب كثرة مصادر الخبر والمعلومة في زمننا الراهن، وما يعنيه ذلك من سهولة إشاعة الأخبار دون الإلتزام بشروط وقواعد العمل الصحفي، ما دامت الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الإجتماعي، قد فتحت الباب أمام فوضى المعلومات ومعها فوضى الحواس والأحاسيس.