نحن وإيران جيران ويا لها من جيرة

كما تحارب إيران بالوكالة فإنها تتلقى العقاب بالوكالة أيضا.

حتى حين تُضرب إيران فإن العرب يدفعون الثمن. تلك حصة سيئة من قدر جغرافي صار يضغط على العرب فزادوه سوءا بسبب سياسيات أنظمة لا تكترث بمصير الشعوب التي أبتليت بها وبجوعها إلى الحكم.

ليست سوريا وحيدة في ذلك. فما جرى في دمشق قبل أيام حين استهدفت الصواريخ بيتا يقيم فيه قادة فيلق القدس الإيراني يمكن أن يقع في لبنان والعراق من غير أن تقوى الدولتان على الدفاع عن سيادتهما على أراضيهما والتي هي سيادة ناقصة بسبب التغلغل الإيراني.

كما تحارب إيران بالوكالة فإنها تتلقى العقاب بالوكالة أيضا. وهو ما تواطأت عليه إيران وخصومها، سواء كانوا في إسرائيل أو في الولايات المتحدة. حين قُتل قاسم سليماني فإن الضربة الأميركية وقعت على الأراضي العراقية أما حين سمحت الولايات المتحدة لإيران بالرد فإن الأخيرة وجهت صواريخها إلى الأراضي العراقية.

وفي ذلك يتساوى العراق وسوريا. فبعد أن صار البلدان قاعدتين عسكريتين إيرانيتين جاز لخصوم إيران أن يوجهوا الضربات إليهما من غير التفكير بسيادتهما التي جرى تعليقها بسبب ظرف موضوعي يقع خارج الإرادة الوطنية التي صارت جزءا من ماض لا يمكن استعادته.

ليست إيران اليوم مجرد جارة سوء للعرب، بل صارت جزءا من واقع مشؤوم وبغيض أطبق مثل كابوس عليهم من غير أن تظهر في الأفق صورة أخرى تبشر بخير قليل. ومثلما الجغرافيا لا يمكن تغييرها فإن الأنظمة السياسية الخانعة أسقطت من حساباتها إمكانية الخروج من ذلك الكابوس أو هي لا ترغب في أن تُخرج شعوبها منه.

ذلك يعني أن المستقبل سيكون أسوأ. فلو لجأت إيران إلى التصعيد ردا على القصف الإسرائيلي فإنها لن ترد من أراضيها، بل ستكلف ذيولها بالقيام بذلك الرد. ومن أجل تجنيب حزب الله عقابا قد يؤدي إلى إلحاق أضرار فادحة به وهو ما لا تتحمله إيران فقد يتم اللجوء إلى الميليشيات العراقية الجاهزة لتقديم خدمات من ذلك النوع على غرار ما فعلته حين تبرعت بقصف القواعد العسكرية الاميركية في العراق تحت شعار المطالبة برحيل القوات الأجنبية.  

ولكن أثر القصف القادم من العراق سيكون محدودا على إسرائيل. وهو ما يعني أن الرد الإيراني سيكون صعبا بالمقاسات التقليدية. فلا حزب الله وقد استوعب مغزى الإشارات الإسرائيلية قادر على تسخين جبهة إسرائيل الشمالية ولا حركة حماس التي شلتها الحرب المستمرة منذ شهور في إمكانها أن تصفع إسرائيل انتقاما لمقتل قادة فيلق القدس. لذلك لن يكون مستبعدا أن تتحول البوصلة إلى الأردن بعد أن تأكدت حركة حماس أن لها جمهورا هناك، تحكمه العاطفة ولا يملك قدرة على التمييز بين مصلحة الأردن والرغبة في الزج به في معركة، تعرف قيادته أنه سيخرج منها خاسرا.

لا تشكل التظاهرات التي شهدها محيط السفارة الإسرائيلية في عمان خطرا على إسرائيل. معظم سكان العاصمة الاردنية هم من أصل فلسطيني. ذلك مؤشر على رعاية أردنية غير محدودة. لكن الأردن كدولة له حساسية إزاء مسألة الولاء. تلك حساسية لا تتعلق بالقضية الفلسطينية، بل بحركة حماس التي لم تتفاعل ايجابيا مع كل ما فعلته القيادة الأردنية من أجلها في مواجهة إسرائيل. لقد كان الأردن محقا حين شعر بأن التظاهرات المناصرة لحماس تشكل خطرا على أمنه القومي.

كان الأردن دائما مهددا بفكرة الوطن البديل. وليس مستبعدا أن تكون إيران وقد التقت مخططاتها مع أهواء حماس مسؤولة عن اختراق جبهة صامتة لتضرب عصفورين بحجر واحد. فإذا كانت إيران قد عجزت عن اختراق النظام السياسي في الأردن من خلال حركة الإخوان المسلمين فإنها راهنت على الجمهور الفلسطيني الذي يناصر حماس تحت ضغط الكوارث التي تحدث في غزة. من جهة أخرى فإن إيران وقد أقرت بأنها لا تملك الأدوات التي تؤهلها للإنتقام من إسرائيل فقد قررت أن تُلحق الأردن بقائمة الدولة الفاشلة.

أخطأ فلسطينيو الأردن حين انجروا وراء عاطفتهم ولم ينتبهوا إلى أن تلك العاطفة كانت فخا إذا ما تم النظر إليها بعين واقعية. ليس الأردن دولة حرب منذ توقيعه معاهدة السلام وهو لذلك ليس مستعدا لكي يكون جبهة حرب بديلة عن الجبهتين السورية واللبنانية اللتين احتمت إيران بصمتهما من أجل أن لا ينالها مزيد من العقاب.