نصف عام من السيناريوهات غير المتوقعة للحرب الروسية الأوكرانية

المفكر الأميركي نعوم تشومسكي يقول إن ما حصل في أوكرانيا جريمة حرب كبيرة توازي الغزو الأميركي للعراق، وغزو هتلر وستالين لبولندا.
الحرب الروسية الأوكرانية والمعادلات الجديدة
هل يجبر الأوروبيون زيلنسكي على "الاستسلام" لينعموا بدفء الغاز الروسي؟
كييف

عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية قبل ستة أشهر لم يخمّن أغلب المحللين أن تخترق الحرب مقاييس الزمان والمكان المتوقعة، إذ لم يكونوا يدركون أن الحرب سيطول أمدها إلى هذا الحد معتقدين أنها ستكون في شكل ضربات روسية خاطفة.
ومن حيث المكان، تفاجأ الكثيرون بتمدد الحرب خارج الأراضي الأوكرانية لتلامس تداعياتها أغلب مناطق العالم، التفاصيل الدقيقة للروتين اليومي لحياة مواطن عادي في مكان ما في العالم، مضطر مثلا لملء خزان سيارته بالوقود أو لتشغيل جهاز التدفئة.
وفجر 24 فبراير/ شباط الماضي ، أطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر شاشات التلفزيون ليعلن إطلاق "عملية عسكرية" للدفاع عن "جمهوريتين انفصاليتين" في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا بعد أن أقر باستقلالهما قبل ثلاثة أيام.
وفهم العالم بأسره أنه إعلان حرب، لكنه لم يفهم أنها ستكون أشبه بحرب استنزاف، معتقدا عبر معظم محلليه أن "العمليات العسكرية الروسية" ستكون خاطفة ومتفرقة وستنتهي على أقصى تقدير في 9 مايو/ أيار الماضي تزامنا مع عيد النصر الروسي الذي يرمز لذكرى هزيمة النازيين في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وراقب العالم دخول القوات الروسية صباحا الأراضي الأوكرانية من روسيا وبيلاروسيا.
وبدأ العالم ينشغل بتداعيات خطيرة تشمل الجميع أكثر من انشغاله بمعارك دونباس والمشاهد المروعة في خيرسون والدمار الذي لحق بخاركييف وماريوبول.

محللون كانوا يعتقدون أن إقصاء البنوك الروسية من نظام سويفت ضربة قاصمة لموسكو 

ومع توسيع الجيش الروسي هجومه في كل الاتجاهات، بدأ الحديث أولا عن أزمة إنسانية تشمل اللاجئين الذين علق الكثير منهم داخل المدن المعزولة وعلى الحدود في انتظار تحرك أوروبي لاستقبالهم.
أوروبا كانت وقتها منشغلة بتسليط العقوبات على النظام الروسي، واتفق قادة الاتحاد الأوروبي في  مايو/ أيار على خفض وارداته من النفط الروسي بنحو 90 بالمئة بحلول نهاية العام.
وحاصر الغرب الأصول والشركات الروسية الناشطة لديه وأقصى المصارف الروسية من نظام سويفت البنكي العالمي، وعمل على خنق العملة الروسية، في خطوة اعتبرها محللون غربيون بمثابة الضربة القاصمة للاقتصاد الروسي.
وأوقفت كبرى الشركات الغربية والمؤسسات الصناعية الضخمة أنشطتها في روسيا وأغلقت فروعها هناك. 
وأحيل الآلاف على البطالة وانهارت مؤشرات البورصة واختلت أسواق العملات والذهب.
وأعلن الاتحاد الأوروبي شراء أسلحة وتسليمها لأوكرانيا في خطوة غير مسبوقة. 
ومع تزايد اللغط عن هجوم كيميائي أو نووي، قرر حلف شمال الأطلسي تسليح أوكرانيا.
وبعد كل هذا، فهم العالم أن الحرب ليست بين روسيا وأوكرانيا فحسب بقدر ما هي حرب بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، تماما كما حصل في الماضي.
وتأكدت الظنون بأن الحرب الجارية هي حرب تثبيت معادلات عالمية جديدة عندما رد بوتين على العقوبات الغربية بعقوبات روسية شملت أوروبا بشكل خاص.
وأطلق الأوروبيون خاصة الفرنسيين والبريطانيين، صيحات فزع يحذرون عبرها عن أن الحرب باتت على أبوابهم وقريبا ستكون في عقر دارهم.

الغاز الروسي كان إحدى كلمات السر التي أدار بها بوتين الحرب

وبدأ بوتين يلوح بورقة الطاقة وانطلق في إغلاق صنابير الغاز المتدفق لأوروبا بدءا بأنبوب نورد ستريم الذي يضخ سنويا مليارات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي نحو دول الاتحاد الأوروبي. 
ويتوقع المحللون أن يمر على أوروبا شتاء قاس بدون الغاز الروسي فضلا عن تضخم قياسي في فواتير الكهرباء مع الارتفاع المستمر لأسعار البنزين.
وتوقع المتشائمون أن تعود أوروبا إلى العصور الوسطى تبحث عن طاقة بديلة في البخار أو الفحم الحجري.
وأحس العالم خلال الأشهر الستة المنقضية بالجزع على أمنه الغذائي مع توقف شحنات القمح من أوكرانيا وروسيا.
وحذرت الأمم المتحدة من شبح مجاعة ستلحق بالشعوب الأكثر فقرا في إفريقيا وآسيا إذا استمرت الحرب حتى نهاية العام الجاري.
وبدأت بالفعل تتشكل مجموعات ضغط إقليمية جديدة، فتوطدت علاقة روسيا بإيران المناهضة للغرب، وحصل تقارب روسي تركي، وأعاد الغرب التفكير بكثير من الليونة في إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ربما طمعا في الغاز والنفط الإيرانييْن.

واستأنفت مصافي النفط الليبي نشاطها، و"تنازل" الرئيس الأميركي جو بايدن للسعوديين وزار الخليج لعله يقنع الرياض وأبو ظبي بشكل خاص بزيادة كميات النفط المستخرجة.
ونجحت موسكو في استقطاب حلفاء جدد في القارة الإفريقية وفي منطقة الخليج العربي، فضلا عن تعزيز حزام التحالف مع الصين وكوريا الشمالية.
وبات العديد من المحللين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي مهدد بالانقسام مع تفاقم أزمة الغذاء والطاقة، وقد يجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي نفسه مجبرا على الرضوخ لضغوطات أوروبية وأميركية لتوقيع معاهدة سلام مع بوتين هي أشبه باتفاقية "استسلام". 
وسيعود الغاز الروسي للتدفق وسيعود الروس لمتابعة أفلام نتفلكس وستجوب السفن الروسية والأوكرانية بحار العالم توزع قمحها على الأفواه الجائعة، كأن حربا مجنونة لم تكن.
وسيفهم العالم مقولة المفكر الأميركي نعوم تشومسكي بأن "ما حصل في أوكرانيا جريمة حرب كبيرة توازي الغزو الأميركي للعراق، وغزو هتلر وستالين لبولندا".