هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (14)‎‎

كيف لليبرالية أن تجد طريقها الى أذهان المواطنين وتصل بصورة غير مشوهة أو مغلوطة في بيئة اجتماعية يهيمن عليها ويتفاعل في اذهان أغلب افرادها الخطاب الميثولوجي.

في القرن التاسع عشر، بعد ما تحققت العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير أصبحت سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع وهذه هي الليبرالية.

الديمقراطية مكونة من أربعة مكونات:

العلمانية "القرن السادس عشر"

العقد الإجتماعي "القرن السابع عشر"

التنوير "القرن الثامن عشر"

الليبرالية "القرن التاسع عشر"

وقد استغرقت أربعة قرون، وفي القرن العشرين ظهرت الثورة العلمية والتكنولوجية، اذن؛ انظر الى النتيجة الخطيرة: الثورة العلمية والتكنولوجية هي ثمرة رباعية الديمقراطية، فإن لم تتوفر رباعية الديمقراطية فلن تتحقق الثورة العلمية والتكنولوجية.

مراد وهبة

.................

الليبرالية

ما يهمنا من الليبرالية في هذا الطرح الأفكار الفلسفية والتشريعات والقوانين والنظم التعليمية وامتيازات العلماء؛ التي تنتج فرد مواطن حر "وليس عبد بقوة دين أو مستعبد بقوة دكتاتورية سلطة سياسية"، ومتحضر "يتفاعل مع واجباته وحقوقه"، ومتاحة له مؤسسات تعليمية تُشيَّد وفق أفضل نماذج الأنظمة التعليمية العالمية، ومؤسسات علمية تحتضنه كفرد عالِم "مُخترع - مُطوِّر" وتوفر له التقنيات اللازمة وتفسح له الطريق واسعًا للمضي في تطوير مساهمته في مجاله التخصصي بوجود قوانين ونظام حمائي لا يسمح بتدخل رجال الدين في عمل وطرح العالِم المتخصص لأي ذريعة نصية أو مقدسة دفاعية، وهذا جزء مما أعنيه من الليبرالية العلمية، أو كما وصف أكسل هونيث المجتمع الجيد:

"المجتمع الجيد هو المجتمع الذي يسمح لأفراده من خلال توفير الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بتحقيق ذواتهم واستقلاليتهم. كما أنه المجتمع الذي يسمح لأفراده بتحقيق أحلامهم بدون المرور من تجربة الاحتقار أو الإقصاء. أو بعبارة أخرى جامعة، فالمجتمع الجيد هو الذي يضمن لأفراده شروط حياة جيدة"، وهو المجتمع الذي يتفق بثقافته العامة مع نظام دولة تحترم العبقريات العلمية الفردية فلا تقتص منها أو تناصبها العِداء الذي ينجم عنه الخطورة أو الطرد الى بلاد المهجر. فالعبقريات العلمية الفردية هي من خلق لنا هذا الواقع التقني المتقدم والتطورات العلمية المتنوعة، وهذه العبقريات العلمية الفردية تفكر وتعمل وتبتكر بتوفر عنصري الإعتراف وحرية الإعلان العلمي، فالاعتراف recognition يعني: الإقرار بقيمة ما وتقديرها(1). وحرية الإعلان العلمي يعني أن العالِم لا يتخوف من إعلان ابتكاراته حتى وإن ناقضت نص مقدس أو ثابت ديني، وإلا؛ فالدولة التي تجعل من النص المقدس والثابت الديني سقفًا لها تتسبب بخنق "الحرية الأسمى" وهذه الحرية هي حرية العلماء من أهل التخصصات الضرورية الذين يبحثون ويبتكرون ويُعلنون اختراعاتهم بحرية لا يقمعها فقيه ومؤسسة دينية وثقافة اجتماعية متخلفة. والحرية الأسمى لا سقف لها ودونها باقي صنوف الحرية لصنوف الشرائح البشرية.

كيف لليبرالية أن تجد طريقها الى أذهان المواطنين وتصل بصورة غير مشوهة أو مغلوطة في بيئة اجتماعية يهيمن عليها ويتفاعل في اذهان أغلب افرادها الخطاب الميثولوجي، وهو خطاب ديني يعتمد المغالطات العلمية والتزييف الذي يقطع الذهن عن العصر، فالتأثير الميثولوجي المُجسَد بالخطاب الديني الذي غزا كل زوايا المجتمع حتى نفد الى المدارس والجامعات والإعلام والمنازل وعقول الناس.. الطرح الاسطوري مغالطة اصطلاحية تتلاعب بإنطباق المصطلح على مصداقه أو المجال المناسب له، فالطب مصطلح يدل على التخصصات الطبية من طب جراحي وطب اسنان وطب قلب، ولكن التلاعب يجعل من الطب مصطلح يدل على الطب النبوي وطب الإمام الصادق.. ينبغي أن يكون المجتمع الليبرالي صحيح الذهن تجاه العلم، فالليبرالية العلمية تتبلور انبثاقًا من مجتمع ودولة ليبراليان غير مصابان بأمراض الزيف والمغالطات اللتان تنتجان عن الخطاب المُكرِّس للأساطير الخرافية والتخريفية.

كم من شيعي عراقي متيقن من أن الخميني وخامنئي عالمان فذان لا يُداني علمهما أهل الغرب والشرق وأن خلاص الدنيا يكون بإتباعِهِما؟ والسطوة والغلبة تتلخص في أن المتيقنين من علم وماشيحانية(2) الخميني وخامنئي يملكون السلاح والسلطة في ايران والعراق وأموال طائلة تمكنهم من ارساء دعائم دولة المغالطة الليبرالية(3).

اشارات

(1) أكسل هونيث والاعتراف بالآخر: نحو نظرية نقدية جديدة في قبول الآخر، حسام الدين فياض.

(2) الماشيح، المسيا، המשיח.. هو المنقذ المُنتظَر عند اليهود.

(3) خذ مثال: افراد يسمو شأنهم بصفات رفيعة مع أنهم لا يُقدِمون مساهمات ذات أهمية وقيمة علمية عصرية. فالشيعة يطلقون على حوزة الفقه مُسمى الحوزة العلمية، وعلى الفقيه تسمية العالِم. والحوزة والفقيه ساهما ويُساهمان بتشكيل العقل الإجتماعي الشيعي مما ينتج عنه مجتمع ودولة المغالطة الليبرالية، والمغالطة التي أعني هي تغيير في صحة ومنطق نفس الشيء وليس الأتيان بشيء غيره واستبداله وإلغاءه، وهذا الاجراء مؤقت الى حين تحول الكم الى كيف كما يفعل نظام ولاية الفقيه (طبعًا حديثنا الآن عن النخب العلمية - يجب أن تنظر الى المستقبل والأفق المرسوم للعلم في البلاد، وأن تهتم به، قلنا إننا يجب أن نتحرك بطريقة تجعل إيران في مدة معقولة - قبل بضع سنوات قلت بعد خمسين عام - منبع العلم، أي إذا أراد الناس الحصول على أحدث الإكتشافات العلمية فسيضطرون الى تعلم اللغة الفارسية. هذا مستقبل ممكن، لا تتعجبوا منه/ يوتيوب: خطاب - دور النخب في وصول البلاد إلى صدارة العلم في العالم).