وحده الشعب الفلسطيني مع الانتخابات
هل يتوجه الفلسطينيون الى صناديق الاقتراع في الثاني والعشرين من ايّار – مايو المقبل... ام تفرض ضرورات معيّنة تأجيل الانتخابات التي تخوضها "فتح" وهي منقسمة على نفسها؟
تشير الأرقام المتعلّقة بالعدد الكبير للناخبين الفلسطينيين المسجلين الى وجود رغبة شعبية قويّة في المشاركة في الانتخابات. يظهر الفلسطينيون كلّ يوم انّ لديهم ارادة حقيقية في التغيير والخروج من الوضع الراهن الذي يعيشون في ظلّه. إنّه وضع حوّل الضفة الغربية الى ارض تعيش في ظلّ نظام عربي آخر لا همّ للقائمين عليه سوى بقاء محمود عبّاس (ابومازن) في موقعه الى ابد الآبدين... حتّى لو استمرّ الجمود السياسي الى ما لا نهاية. في المقابل، لا ترى "حماس" مشكلة في ذلك ما دامت تتحكّم بـ"امارة اسلاميّة" في قطاع غزّة هي كناية عن سجن كبير في الهواء الطلق لمليوني فلسطيني يعيشون تحت رحمتها. لا مشكلة لدى "حماس" ما دامت تمسك بالسلطة والأرض والشعب. لا وجود لهمّ لدى الاخوان المسلمين الذين تعتبر "حماس" جزءا لا يتجزّأ منهم، سوى السلطة والشبق اليها.
الاكيد ان اجراء الانتخابات والخروج بمجلس تشريعي جديد يظلّ افضل من تأجيلها، خصوصا انّ الانتخابات الأخيرة أجريت في العام 2006. ليس طبيعيا ان يكون الفلسطينيون اسرى اعتبارات عدّة تؤجل الانتخابات، بما في ذلك وجود جهات أميركية تخشى انتصار "حماس" فيها. اذا كان الشعب الفلسطيني يريد "حماس"، من الطبيعي تركه يعاقب نفسه بدل التصدي لهذه الحركة التي لم تجلب على قضيته سوى الويلات.
في الواقع، هناك رأي أميركي، عبّرت عنه مراكز دراسات عدة ذات نفوذ، يدعو الى تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية بسبب احتمال فوز "حماس" التي ترفض أي تسوية سياسية معقولة ومقبولة تستند الى الواقع ومتطلباته. لدى مراكز الدراسات هذه وجهة نظر وجيهة تقول انّ السلطة الوطنيّة الفلسطينية القائمة هي نتاج اتفاق أوسلو للعام 1993. وهو اتفاق وقّعه في حديقة البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقتذاك، اسحق رابين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بحضور الرئيس بيل كلينتون. هذا يعني انّ هذه السلطة، التي انبثقت عن أوسلو، تسعى الى تسوية مع الجانب الإسرائيلي ودخول عمليّة سلام وذلك بغض النظر عن الثغرات في أوسلو.
لعلّ الثغرة الأولى غياب الوضوح لمعنى كلمة تسوية والتفاهم بين الجانبين في هذا الشأن. عملت إسرائيل كلّ شيء منذ البداية من اجل اجهاض خيار قيام دولة فلسطينية مستقلّة. من يحكم إسرائيل منذ العام 1995 هو شخص اسمه ايغال عمير. اغتال ايغال عمير اسحق رابين في الرابع من تشرين الثاني – نوفمبر 1995. منذ ذلك التاريخ، بات الفكر الذي قضى على رابين يتحكّم بالسياسة الإسرائيلية. مثل هذا الفكر يلتقي كلّيا مع فكر "حماس" التي عملت كلّ ما تستطيع من اجل صعود اليمين الإسرائيلي معتمدة على العمليّات الانتحارية التي اثّرت تأثيرا عميقا في المجتمع الإسرائيلي وتغيير توجهاته، بما في ذلك الدعم المطلق للاستيطان.
بين سلطة وطنيّة مهترئة ومترهّلة بات همّها محصورا بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، و"حماس" التي تسعى الى إبقاء غزّة رهينة لديها، وإسرائيل التي لا تعير أي اهتمام باي تسوية من ايّ نوع فضلا عن انشغالها بالمأزق السياسي الداخلي الذي تعاني منه، ليس لدى أي طرف معني مصلحة في الانتخابات باستثناء الشعب الفلسطيني نفسه.
يستأهل الشعب الفلسطيني مستقبلا افضل ووضعا افضل. يستأهل انتخابات باشراف دولي. اين المشكلة في انقسام "فتح"؟ هذه ظاهرة صحيّة تؤكّد حيويّة الحركة ورفض قسم من قيادييها ان يكونوا مجرد تابعين لـ"ابومازن" والمجموعة الصغيرة المحيطة به التي لا تمتلك ايّ افق سياسي من ايّ نوع في أي مجال من المجالات. لعلّ اكثر ما يعكس العقم السياسي لدى السلطة الوطنيّة الموقف المضحك المبكي الذي اتّخذه "أبو مازن" لدى توقيع اتفاقي السلام بين دولة الامارات العربيّة المتّحدة ومملكة البحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى في واشنطن العام الماضي.
بغض النظر عن الموقف الأميركي. يظلّ اجراء الانتخابات افضل من تأجيلها. ستظهر الانتخابات انّ هناك جيلا فلسطينيا شابا يريد التغيير ويسعى في الوقت ذاته الى بناء مؤسسات فلسطينية عصريّة قابلة للحياة وذلك قبل ان تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
مثل هذه المؤسسات الفلسطينية، القابلة للحياة ذات الشفافية أيضا، التي سعى الى بنائها الدكتور سلام فيّاض عندما كان رئيسا للوزراء حتى العام 2012 وفّرت فرصة كي تؤكّد من خلالها السلطة الوطنيّة انّها تستأهل بالفعل دولة مستقلّة وليس ان تتحوّل الى نظام عربي آخر.
من هذا المنطلق، يبدو مهمّا في الوقت الحاضر ان تكون الانتخابات التشريعية خطوة في اتجاه التغيير مع اخذ في الاعتبار لواقعين في غاية الاهمّية. أولهما الوضع داخل اسرائيل نفسها التي تتجه الى انتخابات نيابية جديدة هي الخامسة في سنتين... وثانيهما وجود إدارة أميركية جديدة. هذه الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن غير مهتمّة في الوقت الحاضر بتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبوجود عملية سلام. لن يكون لديها وقت لمثل هذا الامر قبل سنة في اقلّ تقدير. هموم الإدارة داخليّة والصين وما تمثّله من تحديات خارجيا. ثمّة اهتمام بايران في الوقت الحاضر بسبب تهديدها لدول المنطقة عموما ولاسرائيل على وجه التحديد!
بين تأجيل الانتخابات واجرائها، يظلّ التزام موعد الثاني والعشرين من الشهر المقبل الخيار الأفضل وذلك على الرغم من مخاوف أميركية من انتصار لـ"حماس" بكلّ ما تمثّله من تخلّف... وعلى الرغم من رغبة إسرائيل، حليفة "حماس" في استمرار الوضع الراهن وادامته.
في النهاية، تبقى الانتخابات فرصة كي يتحمّل الشعب الفلسطيني في الداخل مسؤولياته على طريق السعي الى الخروج من الجمود الذي يتحكّم بقضيّته منذ فترة طويلة لاسباب مختلفة من بينها الوضع الإقليمي وحال الترهل التي تعاني منها السلطة الوطنيّة. امّا اذا انتصرت "حماس"، فإنّ ذلك يدلّ على ان الفلسطينيين شعب يهوى الانتحار ولا يتردّد في ذلك عندما تكون هناك خيارات أخرى امامه!