الأمثال العربية: حكمة السنين في بضع كلمات

على الرغم من أن الأجيال القديمة من العرب عاشت حياة البداوة والصحراء ولم تعرف من المدنية الحديثة إلا النذر القليل؛ إلا ان المرء لا يمكنه سوى الوقوف مشدوها امام حكمتهم وبعد نظرهم.
ولعل من المفارقات ان ما قاله هؤلاء وبات يعرف باسم "الأمثال الشعبية" لا يزال يجد تطبيقا في عصر التكنولوجيا الفائقة ووسائل الاتصالات المتعددة.
ومن الامور التي لابد ان تبقى ولفترات طويلة هو ذلك التراث العريق، فتراثنا العربي ملئ بالعادات والتقاليد الطيبة في ذكرها والمستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف، والمليئة بكنوز المعرفة والادب، والزاخرة بالمعرفة والحكمة الصائبة، ويوجد في ربوعه كل ما يستحق ان يكتب ويتوارث لكي يبقى لجميع الاجيال في كل مكان وزمان فالامثال الشعبية نابعة من حياتنا اليومية وقد نشأنا على سماعها وتعلمناها من الاجداد والاباء.
وتمتاز الامثال الشعبية في المجتمع القطري بشكل خاص والخليجي بشكل عام بسهولة الالفاظ والمعاني، وسرعة انتشارها وتداولها بين الاجيال، بحيث بات لا يخلو منزل إلا وتردد فيه تلك الامثال بشكل يومي بل أصبحت تتكرر جيل بعد جيل وتحفظ من الاجداد والاباء والامهات لهذه الاجيال.
ومن الواضح ان الامثال الشعبية والحكم والاقوال العالمية اصبحت من المراجع الكبيرة التي لاغنى عن الانسان عنها، فنجد مثلا كثير ما يتردد "اللي ما يعدك راس مال لاتعده فأيد" وهو ما يقال في اهمال وترك ما لا يعطيك قدر، وهذا المثل يتكرر وبشكل كبير في حياتنا اليومية وذلك لوجود المصالح بين الاشخاص واما المثل الاخر"اللي ما يعرفك ما يثمنك" وذلك للذي يستهين بامر ولا يعطيه قدره قيمته.
ومن الامثال المحفوظة والعالمية الذي يردده الكثير من الناس قول"نابليون" في "ان كل شيء ينحني لقوة العقل"، ويتضح ذلك بالفعل بان المؤثرات لا تستطيع ان تعمل أي شئ بدون العقل، هذا الى جانب قول"ارسطو" "احسن الكلام ما صدق فيه قائلة وانتفع به سامعه".
ومن الامثال التراثية التي تعبر عن التسامح ونسيان الماضي هناك مثل شعبي منتشر في الخليج وهو"اللي فات مات" ويختص بمعنى عدم النبش بالماضي والتحسر على ما فات ويقال في كثير من المناسبات وبالاخص في شهر رمضان المبارك.
وللامثال الشعبية ايضا دور كبير في تربية الابناء وذلك من خلال الامثال التي تحث على الصبر والتعاون مثل"اللي في قلبه الصلاة ما تفوته" لمن ينسى امرا ويدعى بأنه يهتم به وهو يقال من الاباء لابنائهم عند تركهم لفرض من الصلاة، ومثل عام اخر يختص بكتمان امر ما وهو"اللي في بطنه ريح ما يستريح" لفشله في كتمانه ويجهر به.
ومن الامثال أيضا مثلا"اذا بغيت تضمها اسال عن امها" و يقال هذا المثل لاختيار الزوجة الصالحة واما المثل الاخر"اصابع يدك مهي بسوى" دلالة على ان البشر لا يتشابهون في تصرفاتهم.
ويقال أيضا "عتيج (عتيق) الصوف ولا يديد (جديد) البرسيم" من الامثال الجميلة ويقال في حالة تفضيل الامر الذي عرفت قيمته على الامر الذي تجهل قيمته حتى ولو كان اجمل منظرا.
ولوصف التعاون والحث عليه يقول العرب "حك ظهري واحك ظهرك" وأيضا"أربع تعاونوا ما ذلوا".
ومن الامثال الشعبية التي تقال ايضا"ياما تحت السواهي دواهي" ويقال هذا المثل للغافل عن الامور الذي لا يتوقع فيه شئ ثم يأتي بامر عظيم وأيضا "يا غافلين لكم الله" في حالة وقوع الانسان في امر لم يتوقعه، بالاضافة الى مثل"يبرز الدواء قبل الفلعة"أي يجهز الامر قبل وقوعه و"ردت حليمة على عادتها القديمة" لصاحب الطبع يعود اليه دائما حتى لو اعلن عدم عودته له.
كما تداولت امثال اخرى بين الناس من بين تلك الامثال ايضا"اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" لتبين ان الكريم يعوضه الله دائما عما انفق و"اضحك على الرجال بحب خشومها" لمن يظهر مودته ومحبته ابتغاء كسب شيء من ورائك و"اكبر منك بيوم افهم منك بسنه" وذلك لاحترام الكبير.
واما الذي يكون في ضائقة مالية مثلا ويلجا الى اخر وحالته تكون اسوأ منه يقال عندها هذا المثل"عريان لايذ على مفصخ" فالعريان والمفصخ معنى واحد وهو "فاقد الشئ لا يعطيه"، ففي السابق كنا نسمع الكثير من الامثال ولا نعرف معانيها وعندما كبرنا ادركنا تلك الامثال وان الامثال الشعبية هي حكمة لاغنى عنها.