واشنطن لاتزال قادرة على انقاذ ليبيا من مساومات تركيا وروسيا

أي مجال نفوذ تركي في ليبيا سوف يمثل أول نجاح لأردوغان في دعم الإخوان المسلمين في أنحاء المنطقة، وهي سياسة هددت كثيرا كل دولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
صمت واشنطن يشجع دبلوماسية التهديد من خلال تعزيز مطالب أنقرة غير المشروعة
روسيا تبحث عن جسر ساحلي في ليبيا يمكنها من تطويق النجاح الجنوبي للناتو
واشنطن تحتاج إلى مبعوث خاص إلى ليبيا يلجم دعم تركيا للإسلاميين

واشنطن - تحتاج الولايات المتحدة التي اتسم موقفها بالغموض واللامبالاة بالنسبة لما يحدث في ليبيا، إلى التحرك بسرعة قبل فوات الأوان حيث يشهد الوضع في البلد الواقع على ضفاف المتوسط تصاعدا متزايدا ينذر بتحوله إلى حرب بالوكالة في ظل قيام تركيا بدعم حكومة الوفاق بالسلاح واغراقها بالمرتزقة والإرهابيين، فيما تدعم روسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

ويقول توماس تراسك الجنرال الأميركي المتقاعد، والنائب السابق لقائد العمليات الخاصة الأميركية، إنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الآن عدم تغيير موقفها الذي يتيح لروسيا وتركيا مواطئ قدم مهمة استراتيجيا في منطقة شرق البحر المتوسط.

ويشير الخبير العسكري تراسك في تقرير نشرته مجلة "ذا ناشونال انتريست" الأميركية أمس الاثنين إلى أن السفارة الأميركية في ليبيا كانت قد ذكرت أن واشنطن "فخورة بأنها شريكة" لحكومة الوفاق في طرابلس، وذلك رغم أن هذا النظام يهيمن عليه الإسلاميون وليس هناك أمل كبير في أن يحقق توحيد الصفوف في ليبيا. وفي الوقت نفسه، لم تضع الولايات المتحدة أي سياسة واضحة تجاه الجيش الوطني الليبي في طبرق.

وأضاف تراسك أن الدبلوماسيين الأميركيين لم يقوموا بأي جهد فيما يتعلق بالقتال الدائر في ليبيا، واكتفوا في الغالب بتبني المبادرات الأوروبية الداعية لوقف إطلاق النار، ومؤخرا بدأوا في تنسيق السياسة مع تركيا.

وفي ظل هذه الظروف تقدمت تركيا وروسيا لملء الفراغ في ليبيا ولكل منهما أهدافه. فنظرا لخوف أردوغان من انهيار حكومة إسلامية رفيقة لحكومته، عزز الدعم العسكري لميليشيات فائز السراج بقوة، وفي المقابل ضمنت تركيا اتفاقا ثنائيا يعترف ظاهريا بمطالبها الإقليمية الساحلية في شرق البحر المتوسط.

ويرى تراسك أن احتمال مواصلة من يدعمون السراج وحفتر ارسال تعزيزات عسكرية كثيرة إلى ليبيا، يمكن أن يتسبب في حالة من الجمود الدائم الأكثر دموية، وإلى زيادة الفراغ الأمني والتدمير المادي داخل ليبيا، وهو ما من شأنه تمكين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من الظهور مجددا والتسبب في زيادة تفشى فيروس كورونا سوءا في أنحاء البلاد، وأي من هاتين الحالتين أو كلاهما يمكن أن يدفع بتدفقات جديدة من اللاجئين نحو أوروبا.

ويضيف أنه من الممكن أن تقوم تركيا وروسيا ضمنيا بالاتفاق على تقسيم ليبيا فيما بينهما، والقيام بعملية مماثلة لعملية أستانا التي بدأتها الدولتان من أجل تحديد مصير سوريا بدون دور للولايات المتحدة.

ومثل هذا الاتفاق سوف يروق لأنقرة وموسكو، خاصة أنه سوف يخلق مشكلات كثيرة للولايات المتحدة وحلفائها. فأي مجال نفوذ تركي في ليبيا سوف يمثل أول نجاح لأردوغان في دعم الإخوان المسلمين في أنحاء المنطقة، وهي سياسة هددت كثيرا كل دولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

كما سوف يؤدى هذا إلى زيادة تشجيع دبلوماسية التهديد من خلال تعزيز مطالب أنقرة، مهما كانت غير مشروعة، في المياه الغنية بالطاقة الواقعة بين تركيا وليبيا. وسوف يهدد هذا مباشرة عملية تطوير الطاقة من جانب اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، وهي كلها دول ترى واشنطن أنها تساعد في الحد من اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي.

s
أنقرة تجهز سيناريو سوريا لواشنطن في ليبيا

من ناحية أخرى يمكن أن يكون التقسيم الفعلي لليبيا جذابا لموسكو لنفس السبب. فكما هو الحال بالنسبة لسوريا، سوف تكون ليبيا أيضا رأس جسر ساحلي يطوق الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، خاصة إذا ما قامت روسيا بنصب دفاعات جوية متقدمة أو غيرها من الأسلحة.

ويرى تراسك أن هذه الاحتمالات المتوقعة تحتاج لقيادة أميركية تأخرت طويلا بالنسبة لليبيا والمنطقة على نطاق أوسع، إذ يجب على واشنطن تعيين مبعوث خاص لشرق البحر المتوسط لوضع حل لصراع ليبيا يتم التفاوض بشأنه. ومن أولويات هذا المبعوث الحد من دعم أنقرة لحكومة الوفاق، بما في ذلك إثارة خيار نقل الأصول العسكرية الأميركية من تركيا، وكذلك الحد من الدعم الروسي للجيش الوطني الليبي.

ويؤكد تراسك أن التعاون في مجالات الدبلوماسية والطاقة والأمن بين شركاء الولايات المتحدة في المنطقة أمر مهم. فمن خلال الدعم التام للتحالف الجديد الذي تقوده مصر والذي يضم اليونان، وقبرص، وفرنسا، والامارات العربية المتحدة، وكذلك العلاقات المتنامية لليونان وقبرص مع إسرائيل، تستطيع الولايات المتحدة المساعدة في تعزيز شركائها في المنطقة كثقل موازن لكل من روسيا وتركيا.

كما ينبغي على صانعي السياسات التحرك بسرعة. فكما توضح أحداث الأسابيع القليلة الماضية، يمكن أن تتحول ليبيا من "فكرة مؤجلة" إلى أزمة قبل أن تنتبه واشنطن.

وينذر الدور الخطير والمتزايد الذي يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدعم الإسلاميين في طرابلس بشقاق داخل الناتو التي هي عضو فيه أيضا، حيث نددت فرنسا بخرق تركيا للحظر الأممي المفروض على تسليح ليبيا متهمة إياها بالقيام بدور عدواني هناك، وقالت إن حلف شمال الأطلسي سيناقش الموضوع قريبا.

وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية أمس الاثنين إن محادثات ستُجرى في الأيام المقبلة تحت مظلة حلف الناتو تشمل تركيا، لبحث الدور التركي "العدواني" و"غير المقبول" في ليبيا.

وهذا ليس الخطر الوحيد الذي ينذر بتفكك االناتو حيث تثير خطة الرئيس دونالد ترامب لسحب 9500 منهم قوات أميركية في ألمانيا بحلول سبتمبر/أيلول من هذا العام، مخاوف في عواصم أوروبية بشأن مستقبل الحلف.