قرار الستين دقيقة في المشهد العراقي

قرار مقتدى الصدر بالإنسحاب فتح الباب على مِصراعيه للشروع من نقطة البداية والعودة من حيث ابتدأوا بنظام المُحاصصة والفساد والتوافق.
اللاعب الخارجي في إدارة خيوط اللُعبة لا زال مُتحكماً بموقفه في الساحة العراقية
إذا كانت النتائج معروفة سَلفاً فلِماذا كانت كل هذه التضحيات والتوتر والعِناد وشدّ الأعصاب

مِن خطايا المُمارسات في العمل السياسي تلك الاوقات التي تُعلن ساعة الصفر فيها وصول لحظات الإنفعال وشِدّة الغضب وعدم إدراك النتائج ما يجعل مُطلقها من الزعامات يتخذ قرارات تكون أغلبها مُتعجّلة مُتسبّبة بذلك الإرتداد العنيف الذي قد يُحدِث ضرراً لا يمكن تغافله أو تفاديه تصيب شظاياها مُطلقها قبل غيره.

خطوة مُقتدى الصدر زعيم التيار الصدري التي أوجزها بِمُدة لا تتجاوز الستين دقيقة لإنسحاب فصيله المُسلّح من ساحة المواجهة في المنطقة الخضراء مع مُسلّحي فصائل الاطراف المُناوئة له تزامُناً مع قراره بإنسحاب أتباعه المُعتصمين من مُحيط البرلمان العراقي قد يُثير أكثر من سؤال عن جدوى هذه الخطوة بالرغم من أنها جاءت لِحفظ دماء العراقيين على حدٍ سَواء وهي بصمة تُسَجّل لهذا الزعيم، لكن قراره المُفاجئ في لحظة الإنفعال بإنسحاب أتباعه المُتظاهرين السلميين من مُحيط مبنى البرلمان العراقي ربما أحدث صدمة أو مُفاجئة غير مُتوقعة للكثير من العراقيين المؤيدين لِخطوة الصدر بإحداث تغيير جذري في النظام السياسي ومُطالباته بِحلّ البرلمان وإنتخابات جديدة ومُحاسبة الفاسدين وفتح صفحة جديدة لِمشهد سياسي عراقي بعيد عن الولاءات الخارجية عندما إنتفض معه الكثير من فِئات الشعب وأبناء العشائر الذين قَدِموا إلى محيط البرلمان مؤيدين لهذه الخطوة التي تضامن معها حتى الجالس في بيته.

وكان بالإمكان أن يكون القرار الصدري بالإيعاز إلى إنسحاب الجناح العسكري وترك المُتظاهرين السلميين في مُحيط البرلمان مُستمرين في إعتصامهم كورقة ضغط أحدثت هزّات سياسية في الوسط السياسي وأربكت المشهد سبقتها خطوات مُستعجلة تضمّنت إستقالة 73 نائبا من التيار الصدري من البرلمان العراقي كان بالإمكان أن يُفعّل دورهم قرار حلّ البرلمان بواسطة هؤلاء المُنسحبين.

قرار مقتدى الصدر إلى الجميع بالإنسحاب فتح الباب على مِصراعيه للشروع من نقطة البداية والعودة من حيث ابتدأوا بنظام المُحاصصة والفساد والتوافق وهو ما قد يدعو إلى الإدّعاء أن الصدر قد إستنفذ جميع أوراق الضغط وذخائره السياسية فماذا إستبقى منها؟ هل هي التظاهرات أم المواجهة أو حتى العصيان المدني التي قد لا تُحدث نفس النتيجة والتأثير فيما لو تكرر المشهد في الشارع لوصول المتظاهرين لِحالة الإحباط واليأس.

في عالم السياسة قد يُحسَب لكل خُطوة حِسابها، أما ذلك الخطأ ومهما بلغت بساطته قد يُفضي بصاحبه إلى أضرار عكسية لا تُحمد عُقباها.

ما تمخّض من تسريبات عن تعرض مقتدى الصدر لِضغوط خارجية من دولة مجاورة لِفض هذا الإشتباك خصوصاً بعد "عَزل" وليس إعتزال المرجع كاظم الحائري الذي يُقيم في مدينة قُمّ الإيرانية بإعتباره المرجع الفقهي للصدر ربما تُفضي هذه النظرية إلى أن اللاعب الخارجي في إدارة خيوط اللُعبة العراقية لا زال مُتحكماً بموقفه في الساحة العراقية التي يأبى أن يُغادرها لأنه يعتبرها الرئة التي يتنفس من خلالها ليضع النُقاط على الحروف أن هناك مساعٍ لِفرض إرادات خارجية بالقوة يُمكن أن تُبقي الوضع مأزوماً إلى حين إنتصار الأقوى.

في ستين دقيقة إنتهى مشهد سياسي مُتوتر في العراق من حيث بدأ، إنسحب الجميع من ساحة المواجهة المُتظاهرين والمُسلحين ورفعوا خيمهم وتركوا تلك الساحات وحملوا أغراضهم وأمتعتهم عائدين إلى بيوتهم تاركين الشعب ينتظر ويسأل مُستغرباً.. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وإذا كانت النتائج معروفة سَلفاً فلِماذا كانت كل هذه التضحيات وذلك التوتر والعِناد وشدّ الأعصاب والساعات العصيبة التي عاشها العراقيين من حياتهم؟ لماذا حدثت هذه الهزّات إذا كانت النتائج معروفة سَلفاً ولم تُغيّر شيئاً؟ ولماذا يبقى الشعب دائماً هو الخاسر الوحيد والذي يدفع ثمن سياسات نظام فاشل؟