هل انتهت الحرب لكي يبدأ الإعمار؟

الخراب الكبير الذي تعرضت له غزة لم يشكل دافعا لدول العالم في مختلف توجهاتها أن تتقدم بمبادرة للبدء بإعمار غزة باستثناء المبادرة المصرية التي تبقى عالقة بجانبها النظري من غير أن تصل إلى جانبها المادي.

الحرب في غزة لما تنتهي بعد. حركة حماس خائفة وتبحث عن ضمانات أشد وثوقا فيما إسرائيل تؤكد أنها لن تنسى. ذلك ما كتبته على قمصان الأسرى المفرج عنهم وهو ما يعني أن كل ما حدث من قتل وخراب لم يشف غليلها وأنها ستواصل انتقامها. على الجانب الآخر فإن ترامب يواصل حملته المجانية الساخرة الداعية إلى تهجير سكان القطاع المنكوب ليقيم جنته العقارية. وهو ما يدعو إلى القلق في ظل غياب مشروع حقيقي مقابل أولا لتثبيت السلام والتثبت منه وثانيا لإعمار غزة التي اقتلعت بكل ما فيها. والحديث هنا يتطرق إلى الحاجة إلى حوالي 30 مليار دولار، مَن يقدمها ولماذا ومتى وكيف تُنفق وسواها من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها بيسر في ظل التفكك الفلسطيني.

ثمن الحروب باهظ. ذلك ما تعرفه حركة حماس جيدا واختبرته على أرض الواقع لأنها سبق لها وأن خاضت حروبا قصيرة كانت تكلفتها عالية. ولكن كل تلك الحروب على كفة والحرب الأخيرة على كفة مقابلة. ليس لأنها كانت طويلة وامتدت لأكثر من 15 شهرا حسب، بل وأيضا لأنها كانت مُصمَمَة لتدمير كل شيء بما فيها كل أسباب الحياة والبقاء. حرب لن تقع بعدها حرب أخرى. ذلك هو القرار الإسرائيلي الذي لم تحسب له حركة حماس حسابا قبل أن تبدأ بطوفان الأقصى.

اللافت أن الخراب الكبير الذي تعرضت له غزة لم يشكل دافعا لدول العالم في مختلف توجهاتها أن تتقدم بمبادرة للبدء بإعمار غزة باستثناء المبادرة المصرية التي تبقى عالقة بجانبها النظري من غير أن تصل إلى جانبها المادي. ربما لأن العالم برمته في انتظار الموقف الإسرائيلي الأخير. أن تعلن الدولة العبرية نهاية لحربها. ذلك أمر مؤسف، ولكنه الواقع الذي انتهت إليه مواقف دول، بعضها اصطف مع إسرائيل في سياق ما سُمي بحقها في الدفاع عن النفس والبعض الآخر صُدم بما جرى ولم يكن قادرا على الدفاع عن شعب غزة بسبب حجم الصدمة التي سببتها العملية العسكرية التي نفذتها حركة حماس يوم السابع من أكتوبر 2023.

هل ستنتهي حرب الإبادة لتبدأ حرب التصفيات؟ الثابت أن إسرائيل لم تكتف بمَن قتلته من قادة الخط العسكري والسياسي الأول لحركة حماس بدءا من اسماعيل هنية وليس انتهاء بيحيى السنوار ومحمد الضيف. ما حدث في صور اللبنانية يؤكد أن نهج التصفيات سيستمر إلى أمد بعيد في ظل اختراق أمني نجحت إسرائيل في القيام به من خلال تجنيد المئات من الفلسطينيين واللبنانيين في حملة تجسس واسعة، كشفت عن جزء منها أجهزة الأمن اللبنانية. كما أن الضربات المتقنة التي نفذتها إسرائيل في غزة كما في الضاحية الجنوبية تؤكد ذلك.

وكما يبدو فإن إسرائيل اتخذت من عملية طوفان الأقصى عذرا لتنفيذ مشروعها في القضاء على حلم قيام الدولة الفلسطينية. كل القرارات الدولية التي نصت على قيام تلك الدولة صارت جزءا من زمن ما قبل السابع من أكتوبر. والأهم من ذلك أن إسرائيل محت البنية التي يمكن أن تقوم عليها تلك الدولة. سيُقال إن منظمة التحرير في صدد إعادة تنظيم بنيتها بما يلائم المتغيرات التي حدثت بعد حرب غزة. ذلك مشروع فلسطيني لا يلزم أحدا بشيء وهو لا ينطوي على محاولة حقيقية للدفاع عن الثوابت القومية في فلسطين. هل على الفلسطينيين أن يبدأوا من الصفر؟ ولكن ما معنى الصفر في الحالة الفلسطينية؟

القرار الفلسطيني الموحد ضروري لكي يستفيق العالم من إغمائته ويدرك أن هناك طرفا فلسطينيا يمكن التحاور مع من موقع الثقة. ذلك لأنه يحظى بدعم وقبول شعبيين. لقد ضيع الفلسطينيون قضيتهم حين تعددت الرؤوس وتصادمت أساليب وطرق مقاومة المحتل الإسرائيلي بعضها بالبعض الآخر. تلك مسألة قد لا تكون مؤثرة بشكل مباشر على عملية إعادة إعمار غزة غير أن من شأنها أن تقوي موقف الفلسطينيين في الدعوة إلى إنهاء الحرب والانتقال إلى مرحلة جديدة، يمكن لدول العالم من خلالها أن تتحرر من انغلاقها على "المظلومية الإسرائيلية" والانتقال إلى "المظلومية الفلسطينية" التي صارت تتحدث إلى العالم بلغة يغلب عليها الطابع الإنساني الذاهب إلى عدالة قضيته.

في إمكان الفلسطينيين أن يُفشلوا مخطط نتنياهو في المضي في الحرب إلى ما لا نهاية من خلال إعادة النظر بكل ما ارتكبوه من أخطاء والخروج بموقف وطني موحد يكون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أساسه.