الجيش يستهدف دارفور ردا على هجمات الدعم السريع في بورتسودان

العمليات العسكرية الجديدة تعكس إصرار البرهان على المضي قدماً في الخيار العسكري، رغم التحذيرات المحلية والدولية من أن الحسم بالقوة بات شبه مستحيل.
تجربة الأشهر الماضية تؤكد أن الاعتماد على القوة العسكرية لم يُسهم في تهدئة الأوضاع
المدنيون أبرز ضحايا استمرار الصراع المسلح

الخرطوم – شنّ سلاح الجو السوداني، خلال الساعات الماضية، سلسلة غارات جوية استهدفت مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في مدينتي نيالا والجنينة بإقليم دارفور، في تصعيد واضح يُنظر إليه على أنه ردّ مباشر على الهجمات الأخيرة التي نفذتها قوات الدعم بالطائرات المسيّرة على مواقع في بورتسودان، حيث تتحصن القيادة العليا للجيش والحكومة المؤقتة.
وأفاد مصدر عسكري مطّلع، فضل عدم ذكر اسمه، بأن الطائرات الحربية دمرت مستودعات أسلحة ومعدات عسكرية قال إنها كانت معدة للاستخدام في "أعمال عدائية"، وفق وصفه، ضد مواقع حساسة في شرق البلاد. وأضاف أن هذه الضربات الجوية تهدف إلى تقليص قدرات الدعم السريع على توسيع عملياتها العسكرية باتجاه مناطق جديدة، خاصة بعد استخدامها الطائرات دون طيار لمهاجمة مواقع في بورتسودان، في تطور نوعي ومقلق في مجريات الصراع.
وتأتي هذه الغارات في وقت يشهد فيه السودان تصعيداً عسكرياً متواصلاً منذ اندلاع المواجهات بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أبريل/نيسان 2023. ورغم مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب، لم يتمكن أي من الطرفين من تحقيق نصر حاسم، ما زاد من تعقيد الوضع الأمني والإنساني في البلاد.
وتشير التحليلات إلى أن هذه العمليات العسكرية الجديدة تعكس إصرار قائد الجيش السوداني الفريق اول عبدالفتاح البرهان على المضي قدماً في الخيار العسكري، رغم التحذيرات المحلية والدولية من أن الحسم بالقوة بات شبه مستحيل، وأن الاستمرار في التعويل على الآلة العسكرية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والدماء. فقد فشلت محاولات الجيش المتكررة في استعادة السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم رغم تقدمه الميداني في عدد من المحاور، كما فقد سيطرته في مناطق واسعة من دارفور وكردفان، التي أصبحت تحت سيطرة الدعم السريع أو خارج سلطة الدولة تمامًا.
وتُظهر تجربة الأشهر الماضية أن الاعتماد على القوة العسكرية لم يُسهم في تهدئة الأوضاع، بل ساهم في انهيار مؤسسات الدولة، وتدهور الخدمات الأساسية، وتفاقم الأزمات الإنسانية التي يعيشها ملايين السودانيين. ووفقاً لتقارير أممية، يواجه أكثر من 25 مليون شخص في السودان أوضاعًا إنسانية حرجة، ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة، فيما اضطر أكثر من 8 ملايين شخص إلى النزوح من ديارهم بسبب القتال.
وفي المقابل، ما تزال المبادرات السياسية تتعثر بسبب غياب الإرادة الجادة من الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وسط اتهامات متبادلة بخرق الهدنات وانتهاك الاتفاقات السابقة. ورغم الجهود التي بذلتها وساطات إقليمية ودولية، من بينها مسار جدة الذي رعته السعودية والولايات المتحدة، إلا أن غياب آلية تنفيذية واضحة ورفض الأطراف تقديم تنازلات حقيقية عطّل تلك المساعي.
ويعتقد أن الغارات الأخيرة تعكس حجم القلق داخل المؤسسة العسكرية من تنامي قدرات الدعم السريع النوعية، خصوصًا بعد استخدام الطائرات المسيّرة في بورتسودان، وهو ما يمثل تحولاً استراتيجياً قد يهدد أحد آخر معاقل الدولة السودانية الرسمية. لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن أي تصعيد عسكري إضافي، سواء في دارفور أو في الشرق، ستكون له عواقب وخيمة على السكان المدنيين، وقد يُشعل المزيد من الفوضى في بلد يشهد أصلاً أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه الحديث.
وعليه، تبدو الحاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى لتغليب صوت العقل والحوار، والبحث عن حلول سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة السودانية، بدلاً من الانخراط في سباق عسكري لا منتصر فيه. فالمعادلة باتت واضحة: لا يمكن إعادة بناء السودان على ركام الحرب، بل على أساس تفاهم وطني جامع يعيد للدولة السودانية هيبتها، ويحفظ حياة شعبها ومستقبل أجيالها.