ماكرون يوجه أقوى الانتقادات لنتنياهو بسبب حرب غزة
باريس - وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات شديدة اللهجة لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مندداً باستمرار العمليات العسكرية وما وصفه بـ"منع إدخال المساعدات الإنسانية"، ومعتبراً أن ما يجري على الأرض "غير مقبول" و"مخزٍ" في ظل تدهور غير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية الفرنسية.
وقال ماكرون، في مقابلة بثتها محطة "تي إف 1" الفرنسية مساء الثلاثاء، إن "ما تقوم به اليوم حكومة بنيامين نتنياهو (في غزة) غير مقبول ومخز"، لكنه رفض في المقابل وصف الأوضاع بأنها إبادة قائلا انه "لا يعود له وصف ما يحدث بـ"الإبادة"، بل للمؤرخين، لكنه شدد على أن الأوضاع الإنسانية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور.
ما يجري على الأرض غير مقبول ومخزٍ
وتأتي هذه التصريحات في سياق توتر متصاعد بين باريس وتل أبيب، في ظل تدهور العلاقات الثنائية منذ بداية الحرب على غزة، التي خلّفت آلاف القتلى والجرحى، وأثارت انتقادات واسعة من المجتمع الدولي بشأن الاستخدام المفرط للقوة والانتهاكات المستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وأشار ماكرون إلى أنه كان من القادة القلائل الذين سارعوا إلى زيارة الحدود المصرية مع غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب، مؤكداً أن ما رآه هناك كان "من أسوأ ما شاهده في حياته السياسية"، في إشارة مباشرة إلى حجم الكارثة الإنسانية التي خلفها الحصار الإسرائيلي المشدد، ومنع دخول المساعدات.
وفي تصريح لافت، أوضح الرئيس الفرنسي أن إسرائيل منعت إدخال مساعدات أرسلتها بلاده، إلى جانب مساعدات دولية أخرى، واصفاً ذلك بأنه تجاوز غير مبرر. كما لمّح إلى إمكانية إعادة النظر في اتفاقات التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي خطوة قد تحمل تداعيات دبلوماسية واقتصادية كبيرة، في حال أقدمت بروكسل على تفعيلها.
ورغم أن فرنسا سبق أن عبّرت عن انتقادات للممارسات الإسرائيلية في فترات سابقة، إلا أن لهجة ماكرون الأخيرة اعتُبرت الأكثر حدة منذ توليه الرئاسة. ويقول مراقبون إن هذه التصريحات تعكس مستوى الغضب الفرنسي المتصاعد من الإصرار الإسرائيلي على مواصلة الحرب، وتجاهل الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار.
ولم تقتصر الانتقادات الفرنسية على الجانب الإنساني فحسب، بل امتدت إلى المستوى السياسي، بعد أن أعلن ماكرون نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في خطوة قال إنها ضرورية لإعادة التوازن إلى الملف الإسرائيلي الفلسطيني، وفرض حل الدولتين كخيار لا بديل عنه.
وردّ نتنياهو على هذا التوجه لم يتأخر، إذ وصف إعلان ماكرون حينها بأنه "مكافأة لحركة حماس"، متهماً باريس بتشجيع ما وصفه بـ"الإرهاب". وهو رد زاد من حدة التوتر القائم أصلاً بين البلدين، والذي تجلّى مؤخراً في تقارير إعلامية تحدثت عن تضييقات متعمدة على موظفين ودبلوماسيين فرنسيين في مدينة القدس، بما في ذلك تعطيل تنقلاتهم وتقييد عملهم داخل المؤسسات الفلسطينية.
وجدد الاربعاء للرئيس الفرنسي بالوقوف إلى جانب "منظمة إرهابية" قائلا في بيان صادر عن مكتبه "مرة أخرى، اختار ماكرون أن يقف إلى جانب منظمة إسلامية إرهابية قاتلة وأن يكرر الدعاية لهذه المنظمة المثيرة للاشمئزاز، متهما إسرائيل باتهامات كاذبة".
من جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأربعاء إن على ماكرون "ألا يعطينا دروسا في الأخلاق" مضيفا في بيان "نتذكر جيدا ما تعرض له اليهود في فرنسا عندما لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، على الرئيس ماكرون ألا يعطينا دروسا في الأخلاق".
ويرى محللون أن العلاقات الفرنسية الإسرائيلية تمر بواحدة من أسوأ مراحلها منذ عقود، ليس فقط بسبب اختلاف وجهات النظر حول الحرب في غزة، ولكن أيضاً نتيجة تمسّك فرنسا بدور فاعل على الساحة الدولية في الملف الفلسطيني، مقابل موقف إسرائيلي يعتبر أي دعم دولي للفلسطينيين تهديداً مباشراً لأمنه.
وتطالب باريس منذ أشهر بوقف إطلاق النار الفوري، وضمان دخول المساعدات دون قيود، وفتح مسار سياسي جدي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهي مواقف تجد صدىً متزايداً في عدد من العواصم الأوروبية، لكنها تصطدم برفض إسرائيلي لا يزال قائماً رغم الضغوط.
في ظل هذا التصعيد، لا يبدو أن العلاقات بين باريس وتل أبيب مرشحة للتهدئة قريباً، خاصة مع استمرار الحرب وسقوط المزيد من الضحايا، في وقت تزداد فيه الأصوات داخل فرنسا وخارجها المطالبة بفرض عقوبات أو اتخاذ خطوات عملية لوقف الانتهاكات، ودفع إسرائيل نحو حل سياسي عادل ودائم.