قطر تخطط لمضاعفة استثماراتها في أميركا لاستمالة ترامب

الدوحة تعتقد أن كسب تأييد الرئيس الأميركي يتم من بوابة عقد الصفقات التجارية وتحقيق استثمارات هامة.
الخطوة تأتي في سياق تنافسي مع دول خليجية أخرى لضمان موقع متقدم في خارطة المصالح الأميركية

الدوحة - أعلنت قطر نيتها مضاعفة استثماراتها السنوية في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، في سياق استراتيجية يُنظر إليها على نطاق واسع كجهد مدروس للتقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتأثير في دوائر صنع القرار في واشنطن.
وصرح الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، محمد السويدي، الثلاثاء بأن الجهاز السيادي، الذي يدير أصولاً تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات، سيسعى إلى زيادة وتيرة استثماراته الأميركية بشكل غير مسبوق. ويأتي هذا الإعلان بعد التزام سابق من الدوحة بضخ ما يصل إلى 500 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي خلال السنوات العشر القادمة.
وتأتي هذه الخطوة القطرية في سياق تنافسي مع دول خليجية أخرى، وعلى رأسها السعودية والإمارات، اللتين وقعتا اتفاقيات استراتيجية كبرى مع إدارة ترامب خلال جولته الخليجية الأخيرة. فقد أعلنت الرياض وأبوظبي عن مشاريع استثمارية وعسكرية وتجارية ضخمة تهدف إلى تعزيز الشراكة مع واشنطن، ما دفع الدوحة إلى تكثيف جهودها لضمان موقع متقدم في خارطة المصالح الأميركية في الخليج. ويبدو أن دول الخليج باتت تتعامل مع واشنطن ليس فقط باعتبارها شريكاً أمنياً تقليدياً، بل كطرف يمكن كسبه من خلال المصالح الاقتصادية والمالية، في ظل إدارة ترى في المال وسيلة لتحديد التحالفات.
وكان ترامب قد زار الدوحة الأسبوع الماضي، ضمن جولة خليجية ركزت على الشراكات الاقتصادية الكبرى والصفقات التجارية، وشكلت الزيارة لحظة فارقة في مسار العلاقات القطرية الأميركية. وأثمرت اللقاءات بين ترامب وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عن توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، قال البيت الأبيض إن قيمتها الإجمالية قد تتجاوز 1.2 تريليون دولار، رغم غياب التفاصيل الدقيقة عن طبيعة هذه الصفقات.
من أبرز هذه الاتفاقات، صفقة مع الخطوط الجوية القطرية بقيمة تُقدّر بـ96 مليار دولار، ما أثار موجة جدل في الأوساط الإعلامية والسياسية، خاصة مع تداول أنباء عن تقديم طائرة فاخرة من قطر لترامب، ما وُصف بأنه "هدية دبلوماسية رمزية" تثير علامات استفهام بشأن أهدافها الحقيقية.
وتُظهر تحركات الدوحة الأخيرة في واشنطن سعيها لاستثمار ثقلها الاقتصادي الهائل في إعادة صياغة موقعها الجيوسياسي، خاصة بعد الأزمة الخليجية في 2017، عندما ساند الرئيس الحالي في عهدته الاولى موقف الدول الأربع — السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر — في فرض حصار دبلوماسي وتجاري على قطر، متهِمين إياها بدعم الإرهاب، وهي تهمة نفتها الدوحة باستمرار.
ومنذ ذلك الحين، عملت قطر على ترميم علاقاتها مع واشنطن، مستخدمة نفوذها المالي كأداة للتأثير في الإدارة الأميركية، مستغلة فهم ترامب للعلاقات الدولية من منظور "الصفقات"، حيث يفضّل التعامل مع الدول بناءً على حجم المكاسب المالية والاقتصادية التي يمكن أن تحققها الولايات المتحدة من هذه العلاقة.
ويعتقد أن قطر تنتهج سياسة "شراء النفوذ"، إذ تسعى لتقديم نفسها شريكاً اقتصادياً لا غنى عنه لواشنطن، من خلال ضخ استثمارات ضخمة في القطاعات الحيوية، مثل التكنولوجيا والعقارات والبنية التحتية والطيران. وقال السويدي في تصريحاته إن بعض السنوات شهدت ارتفاع وتيرة الاستثمارات القطرية في السوق الأميركية إلى الضعف مقارنة بالمعدلات المسجلة خلال السنوات الخمس أو الست الماضية.
ويعكس هذا التوجه القطري قناعة بأن التأثير في السياسة الخارجية الأميركية بات يمر عبر بوابة المصالح الاقتصادية، لا سيما في عهد ترامب الذي لم يُخفِ يوماً اعتماده على مبدأ "أميركا أولاً"، وميله إلى التعامل مع السياسة الدولية كمساحة لعقد الصفقات التجارية.
الدوحة من جانبها، تدرك هذا الواقع جيداً، وتسعى إلى أن تكون رقماً صعباً في المعادلة الأميركية، ليس فقط من خلال تقديم نفسها كحليف سياسي، بل أيضاً كقوة مالية قادرة على ضخ الأموال وتوفير فرص العمل والاستثمار داخل الولايات المتحدة.
وتتجاوز استثمارات قطر في الولايات المتحدة حدود الاقتصاد البحت، لتغدو أداة دبلوماسية تسعى من خلالها إلى التأثير في سياسة واشنطن، وبناء شبكة مصالح متبادلة يصعب التفريط بها، خاصة في ظل إدارة تتعامل مع العالم بمنطق الربح والخسارة.