أزمة المياه في مصر تتفاقم بين تحديات سد النهضة وتشريعات مثيرة للجدل

انتقادات تطال المادة 64 المتعلقة بتعميم استخدام العدادات الذكية ومسبقة الدفع في المنازل ما قد يضعف قدرة الأسر الفقيرة على الوصول إلى المياه في حال نفاد الرصيد.
مخاوف من ان بعض التشريعات قد تهدد حرية التعبير في مصر

القاهرة - في ظل تصاعد الضغوط البيئية والمائية على مصر، أقر البرلمان المصري قانونًا جديدًا يهدف إلى تنظيم قطاع المياه، لكنّه فتح الباب أمام جدل واسع بسبب ما يتضمنه من بنود تتعلق بحرية التعبير وتداول المعلومات. يأتي هذا القانون في وقت حرج تمرّ به البلاد، وسط استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي، وتصاعد تأثيرات التغير المناخي وتراجع معدلات الأمطار في دول منابع النيل.
والقانون الجديد، الذي أقرّه مجلس النواب المصري مؤخرًا، يتضمن مادة أثارت انتقادات واسعة، وهي المادة رقم 73 التي تنص على فرض غرامة تتراوح بين 50 ألفًا و500 ألف جنيه على كل من "يروج شائعات أو معلومات غير صحيحة عن جودة المياه بقصد تكدير السلم والأمن الاجتماعي".
وتقول السلطات إن القانون يستهدف مكافحة حملات التشويه التي قد تثير القلق أو الذعر بين المواطنين، إلا أن معارضين يرون فيه تقييدًا لحرية الصحافة والنقاش العام، خصوصًا في القضايا الحيوية مثل الأمن المائي.
وأعرب النائب أحمد البرلسي، خلال مداخلته في الجلسة البرلمانية، عن مخاوفه من أن يستخدم هذا النص لاستهداف الصحفيين والباحثين الذين يحققون في قضايا المياه، قائلاً: "هل سيُحاسب الصحفيون بتهمة تكدير السلم إذا كتبوا عن أزمة في مياه الشرب؟".
لكن وزير الشؤون النيابية، المستشار محمود فوزي، دافع عن القانون، مشيرًا إلى أن نية المشرّع ليست استهداف الإعلام، بل مواجهة الأخبار الكاذبة التي تُبث عن عمد بغرض إثارة الفتنة.
ولم يتوقف الجدل عند تلك المادة، فقد شهد القانون انتقادات أخرى تتعلق بالمادة 64، التي تنص على تعميم استخدام العدادات الذكية ومسبقة الدفع في المنازل. المعارضون، ومنهم البرلسي، حذروا من أن هذا الإجراء قد يضعف قدرة الأسر الفقيرة على الوصول إلى المياه في حال نفاد الرصيد، ما يشكل خطرًا على الفئات الهشة.
وفي ردّه، أوضح وزير الإسكان، شريف الشربيني، أن العدادات مزودة بإنذار ضوئي وصوتي ينبه المستخدم قبل انتهاء الرصيد، مؤكدًا أن الحكومة ستضع ضوابط لحماية محدودي الدخل.
ولا يمكن فهم هذه التشريعات بعيدًا عن السياق الأوسع لأزمة المياه في مصر، التي ازدادت تعقيدًا مع تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي. فبعد أكثر من عام على توقف المحادثات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، لم يحرز أي تقدم، في ظل استمرار أديس أبابا في ملء خزانات السد دون اتفاق قانوني ملزم.

سد النهضة الاثيوبي فاقم مشكلة المياه في مصر
سد النهضة الاثيوبي فاقم مشكلة المياه في مصر

وقد قال وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، خلال منتدى قادة السياسات الذي نظمته غرفة التجارة الأمريكية في القاهرة، إن الممارسات الإثيوبية قد تؤدي إلى حالة عدم استقرار إقليمي، مؤكدًا التزام مصر بحل الأزمة دبلوماسيًا، رغم التحديات المتراكمة مثل النزاع في السودان والتوترات المستمرة في غزة.
وكانت إثيوبيا قد أعلنت في يوليو الماضي الانتهاء من عملية الملء الخامس للسد، دون الرجوع إلى القاهرة أو الخرطوم، ما اعتبرته مصر تجاوزًا للاتفاقات السابقة، وتحديدًا "إعلان المبادئ" الذي تم توقيعه في 2015. هذا الإعلان كان ينص على التعاون وعدم الإضرار بأي طرف، إلا أن مصر والسودان يعتبران أن ما تقوم به أديس أبابا من إجراءات أحادية يقوّض هذا الاتفاق.
وفي ضوء هذه التحديات، تبدو الحكومة المصرية في سباق مع الزمن للسيطرة على إدارة ملف المياه من كل جوانبه، بما في ذلك السرد الإعلامي. فالخوف من أن تؤدي الشائعات إلى إشعال الغضب الشعبي يدفع نحو تبني تشريعات صارمة، كما أن الدولة تعمل على ترشيد الاستهلاك عبر آليات تقنية وتشريعية، مثل العدادات الذكية وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في إدارة المياه.
ولكن في المقابل، يرى مراقبون أن هذه السياسات قد تكون ذات كلفة اجتماعية واقتصادية، إذا لم تُرافقها معالجات عادلة وتواصل شفاف مع المواطنين، خاصة في ظل ما تشهده البلاد من ضغوط معيشية وارتفاع مستمر في الأسعار.
ومن الناحية الجيوسياسية، تبقى قضية مياه النيل أحد أكثر الملفات الاستراتيجية تعقيدًا في المنطقة. فالنهر يمر عبر 11 دولة، من بينها مصر وإثيوبيا والسودان وأوغندا، وتُعد اتفاقيات 1929 و1959 المرجع الأساسي لتوزيع حصص المياه. لكن إثيوبيا، ومعها بعض دول المنبع، ترفض هذه الاتفاقات، معتبرة إياها إرثًا استعماريًا لا يعكس الواقع الحالي.
وفي أكتوبر/تشرين الاول الماضي، أعلنت أديس أبابا أنها بدأت تفعيل "اتفاقية عنتيبي"، التي لا تعترف بحصص المياه التاريخية، وهو ما يزيد من حدة النزاع ويصعّب فرص التفاهم في المستقبل القريب.
وفي النهاية، تتجلى أزمة المياه في مصر اليوم في أبعادها المختلفة: بيئية، سياسية، اقتصادية وحتى حقوقية. فبينما تسعى الدولة لضبط إدارة الموارد الشحيحة، يبرز تحدي حماية الحريات العامة وضمان العدالة الاجتماعية في أي حلول تُتخذ.
ويبدو أن المعادلة المعقدة بين الحفاظ على الأمن المائي والاستقرار الداخلي ستظل محور نقاش طويل، لا سيما مع استمرار شبح الجفاف وسد النهضة في الأفق.