أميركية بروح مصرية توظف التاريخ في خدمة الفنون المعاصرة

الباحثة دومينيك نافارو قدمت قبل عشر سنوات للعمل كرسامة وباحثة في مدينة الأقصر فسحرتها مصر القديمة وتاريخها ومعالمها وآثارها وصارت من الباحثين الأكثر نشاطا في مجال علوم المصريات دون ان يخبو نشاطها في عالم التشكيل.

دومينيك نافارو فنانة تشكيلية وباحثة أميركية في مجال علوم المصريات، درست الفنون الجميلة بالمعاهد الفنية في لوس انجلوس، وبدأت تجربتها العملية في العمل بأحد المتاحف الفنية في كاليفورنيا، وقبل عشر سنوات انتقلت للعمل والإقامة في مدينة الأقصر الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة.

وفور وصولها للأقصر عملت نافارو كرسامة وباحثة ضمن فريق البعثة الأثرية التابعة لمعهد شيكاغو الأميركي، والعاملة في معابد هابو الفرعونية، ثم سحرتها مصر القديمة، وتاريخها ومعالمها وآثارها، وصارت من الباحثين الأكثر نشاطا في مجال علوم المصريات.

لكن علوم المصريات لم تُبعد دومينيك نافارو عن عالم الفنون التشكيلية، بل جعلتها أكثر ارتباطا بالفنون، وذلك بفضل ما تعرفته عليه من فنون مصر القديمة من خلال عملها بالحقل الأثري.

وراحت الفنانة والباحثة الأميركية، توظف التاريخ في خدمة الفنون التشكيلية المعاصرة، كما استخدمت الفنون البصرية كوسيلة للتعريف بحضارة وتاريخ مصر القديمة.

ومنذ ان استقرت للسكن والعمل في الأقصر، ارتبطت دومينيك نافارو بعلاقة وثيقة مع مجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين المصريين والأجانب المقيمين على أرض المدينة، وباتت من رواد المعارض والفعاليات التشكيلية في كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر، وهي الكلية التي أسهمت منذ تأسيسها قبل 25 عاما، في جعل الأقصر مركزا للفنون، ومقصدا للكثير من الفنانين العرب والأجانب.

وفي إطار عشقها للفنون التشكيلية، فقد بادرت بتأسيس "الأقصر أرت غاليري"، والذي أقامته في محيط معبد الملك امنحتب الثالث، وأمام تمثالي ممنون الفرعونيين الشهيرين، وصار "الأقصر أرت غاليري" مركزا لاستضافة معارض الفنون التشكيلية بكل ألوانها من رسم ونحت وتصوير... إلخ.

ونجت في تنظيم ملتقيات ومعارض فنية بمشاركة كبار الفنانين التشكيليين من مصر العالم، وتبنت من خلال الكثير من الأنشطة الوجوه الفنية الشابة، وحتى الأطفال من الموهوبين ومن عشاق الفنون كان لهم مكان في "الأقصر أرت جاليري"، وأتاحت دومينيك نافارو فرصة لهم لتنمية مواهبهم، وصقل خبراتهم، وعرض فنونهم.

وقد اهتمت الكثير من تلك الملتقيات والمعارض التشكيلية التي انتظمت في "الأقصر أرت جاليري" باستعادة فنون مصر القديمة، ودارت عشرات المعروضات من اللوحات والمنحوتات في فلك الحضارة المصرية القديمة، مستلهمة فنونها وعمارتها وعلومها، ومستحضرة سحرها وذلك الغموض الذي يحيط بحضارة الفراعنة حتى اليوم.

ولإيمانها بالعلاقة بين قصائد الشعر والشعراء والفنون التشكيلية، فقد أطلقت أخيرا مبادرة شعرية وفنية تتجاور فيها قصائد الشعر مع اللوحات الفنية، ويصدح فيها الشعراء بقصائد شعرية بكل اللغات وسط أعمال فنية بعضها ينتمي إلى فن الحروفيات، والتي تتجلى فيها إبداعات الفنانين في رسم لوحات تشكيلية باستخدام فنون الخط العربي.

بل واهتمت دومينيك نافارو، بفن الخط العربي، وأقامت ورش العمل والحلقات التدريبية لتعليم فنون الخط العربي لكل محبيه من صغار وكبار، وذلك تعبيرا منها عن قنعتها بجمال الخط العربي، وعشقها للفنون من فرعونية وإسلامية وشتى الفنون الإنسانية.

وبجانب جهودها في إثراء الحركة التشكيلية في مدينة الأقصر، والربط بين الفنون القديمة والمعاصرة، سجّلت الأميركية دومينيك نافارو نجاحا آخر في مجال التعريف بحضارة وعلوم مصر القديمة، من خلال تأليفها لمجموعة من الكتب التي طبعت في الجامعة الأميركية بالقاهرة، ووزعت باللغتين الإنكليزية والعربية، وأجادت نافارو في توظيف الفن هذه المرة، في التعريف بتاريخ وعلوم وحضارة مصر، وعملت على تعريف الأجيال المعاصرة بتفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة، وبما عرفته مصر من علوم وفنون، وحياة طبيعية وبرية، من خلال الدمج بين النصوص المكتوبة والفنون البصرية المعاصرة.

وقد حظيت تجربة الفنانة التشكيلية والباحثة الأميركية، دومينيك نافارو، بتقدير وبدعم من كبار الفنانين التشكيليين المصريين في مدينة الأقصر، من أمثال الفنان الدكتور محمد عرابي، أحد مؤسسي كلية الفنون الجميلة في الأقصر والعميد الأسبق للكلية، والفنان الدكتور أحمد محيي حمزة، عميد كلية الفنون الجميلة، والفنان الدكتور يوسف محمود، العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة بالأقصر، وغيرهم من كبار الفنانين الذي يحرصون على المشاركة بمختلف الملتقيات والمعارض التي تنتظم داخل "الأقصر أرت جاليري".

وكانت مدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر، والتي كانت عاصمة لمصر القديمة على مدار مئات السنين، كانت قد تحولت إلى مقصد عالمي لعشاق الفنون البصرية في العالم.

وانتشرت في المدينة المعارض الفنية التي تعرض أعمال كبار الفنانين، وانتشرت على جدران شوارعها الجداريات الفنية التي توثق للحياة اليومية في المدينة، بجانب المعالم الأثرية التي تنتشر في شرق المدينة وغربها، والتي شيدها ونحتها ورسمها الفنان المصري القديم قبل آلاف السنين.