الليبيون يخوضون رحلة يومية للبحث عن السيولة النقدية

المواطنون يعمدون إلى سحب أموالهم من المصارف بينما يعزف التجار عن إيداع رؤوس أموالهم، مما يؤدي إلى التضخم .

طرابلس – يعيش المواطنون في ليبيا معاناة مستمرة في رحلة البحث عن السيولة النقدية، حيث لم يتمكن الكثير منهم من صرف صكوكهم مع دخول أزمة نقص السيولة الخانقة في المصارف التجارية شهرها الرابع.

ومع اقتراب شهر رمضان وارتفاع عادة معدلات الشراء ونشاط الأسواق، يزداد الغضب بين المواطنين بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتأخر صرف الرواتب، خصوصا أن سعر صرف الدولار وصل في المصارف إلى 4.8 دينار مقابل 7.39 دينار في السوق الموازية.

وتواجه ليبيا عددا من التحديات الاقتصادية التي تُضاعف الصعوبات أمام المواطنين. وقال موقع "أوراسيا ريفيو" إن تأخر صرف الرواتب من أكبر التحديات التي تؤثر مباشرة على القوى الشرائية، مما يجعل الوضع الاقتصادي أكثر صعوبة في البلاد. ويؤدي تراجع سعر صرف الدينار سريعا إلى تفاقم في أزمة السيولة بالأسواق كما يحد من قدرة المواطنين على الوصول إلى النقد في المصارف.

وترجع تلك الأزمة بشكل أساسي إلى نقص في السيولة نتج من قرارات غير متوقعة وغير متسقة من قِبل مصرف ليبيا المركزي، مما أثر سلبيا على الثقة بين النظام المصرفي والمواطنين والتجار، وكذلك الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال، وفق التقرير.

ويعمد المواطنون إلى سحب أموالهم من المصارف، بينما يعزف التجار عن إيداع رؤوس أموالهم، مما يؤدي إلى التضخم. كما أن غياب أي تنظيمات قانونية لمحاسبة مسؤولي البنك المركزي يُزيد من تعقيد الوضع.

وبحسب موقع "بوابة الوَسَط"، قال المواطن محمد بن عثمان، إنه أب لسبعة أطفال، ولم يحصل على ما يكفيه من السيولة النقدية خلال رمضان، فطوال الشهر الكريم لم يتعد السحب سوى ألف دينار فقط (الدولار الأميركي=4.85 دينار ليبي).

وأضاف أنه لجأ إلى السوق الموازية، وحصل على خمسة آلاف دينار "كاش" عبر شراء الدولار وبيعه بالصك المصدق، متعجبا من توافر السيولة في السوق الموازية مقابل نقصها في المصارف.

وصرح المصرفي معتز هويدي بأن المشكلة في عدم قدرة المصرف على تحويل تعهداته إلى نقد حاضر عند الطلب، مضيفا أن الأزمة تعود إلى أن مصرف ليبيا المركزي كان يبيع العملة الأجنبية عبر الاعتمادات المستندية، للحصول على سيولة نقدية، وضخها بالمصارف التجارية، بينما تتوقف المنظومة تارة بسبب الطلب المتزايد على النقد الأجنبي وتارة أخرى بسبب ضريبة الدولار.

وعلى الرغم من توقعات البنك الدولي بتعافي الاقتصاد الليبي في العام 2023، فإن الأحداث الأخيرة، بينها الفيضانات والحرب على غزة وانعدام الاستقرار السياسي، زادت من سوء الوضع الاقتصادي في البلاد، وهذا يضع ضغوطا هائلة على موارد الدولة.

ويشكّل الوضع الاقتصادي تحديات كبيرة للشعب الليبي، التي تشمل ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق والزيت والسكر، فضلا عن زيادة أسعار الوقود التي تؤثر على التنقل والحياة اليومية، بينما يؤثر ارتفاع الاستهلاك والتضخم على القوة الشرائية للدينار.

ويؤدي التأخير المتكرر في صرف الرواتب إلى زيادة الضغط على الأسر. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في السيولة النقدية بالبنوك التجارية، والوقود في معظم المدن الغربية والجنوبية، مما يجعل من المستحيل تقريبا إجراء عمليات شراء.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، ارتفع معدل البطالة في ليبيا إلى 19.6 بالمئة، بينما يعمل أكثر من 85 بالمئة من السكان في القطاع العام والاقتصاد غير الرسمي.

وأرجع أستاذ الاقتصاد الدكتور عادل المقرحي استمرار أزمة السيولة منذ العام 2011 إلى فقدان الثقة في الجهاز المصرفي على خلفية الانقسام السياسي وتدهور الأوضاع الأمنية، فضلا عن عدم استقرار الدينار.

وأضاف، أن السيولة النقدية الزائدة في الأسواق لها تأثيرات على ارتفاع الأسعار، و70 بالمئة من النقود تضخ في عمليات طلب شراء العملات الأجنبية.

وتشهد شوارع طرابلس بشكل شبه يومي طوابير المواطنين الطويلة أمام المصارف منذ ساعات الصباح الأولى، لسحب ودائع، بينما لم يتدخل المصرف المركزي للتعامل مع الأزمة، ولم تحدد البنوك سقفا لمعدلات السحب اليومي.

وقدّرت بيانات رسمية للمصرف مجموع العملة المتداولة خارج المصارف التجارية بنحو 43 مليار دينار حتى نهاية العام الماضي، مما يفوق المعدلات الطبيعية بسبع مرات.

وصرح أحد القائمين على محل للصرافة، عبدالهادي الحالي، إلى "بوابة الوسط" بأن السيولة النقدية متوافرة لديه بشكل كبير، والناس تطلب الدينار عبر شراء الدولار بصكوكهم، ثم بيعه بالدينار لغرض الحصول على "الكاش" غير المتوافر في المصارف التجارية.

وقد ﺗﺰاﻳﺪ "اقتصاد الظل" عقب ثورة فبراير حتى أصبح يعادل 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفق تصريحات صحفية سابقة لمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير.