هيمنة السلطة: لماذا تُهمش أفكار النخب المُستقلّة؟

يبدو ضرورياً تدريب المجتمع على التفكير النقدي كأداةٍ مهمة لمكافحة الانحياز لأصحاب الوجاهة.

يُشير السؤال إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية مقلقة، وهي تقييم الأفكار بناءً على مصدرها بدلاً من محتواها. في هذه الظاهرة، لا يتم الحكم على قيمة الفكرة بجودتها، وانما يتم الحكم عليها بناءً على مكانة صاحبها.

ويعتمد قبول الفكرة بشكل كبير على المركز الاجتماعي للشخص الذي يطرحها او انتمائه. فإذا طرحها شخص ثري أو يشغل موقعًا مرموقًا، فمن المرجح أن تلقى صدى وتجاوبًا كبيرًا. بينما قد لا تحظى نفس الفكرة بأي اهتمام إذا صدرت من شخص ذي مركز اجتماعي متدني.

حتى عند نشر مقال في صحيفة أو طرح رأي في ندوة علمية، ينظر القارئ أو المستمع أولاً إلى اسم الكاتب أو المحاضر، ومن ثم يقرر قبول الأفكار أو رفضها، الاهتمام بها أو إهمالها. فالموقف من الأفكار غالباً ما يتحدد بمكانة الأشخاص وسلطتهم المادية او المعنوية.

يعرف هذا الميل في علم النفس باسم "تأثير الهالة"، حيث يميل الناس إلى توقع هدايا من أولئك الذين يرونهم ذوي مكانة اجتماعية عالية، مثل الأثرياء ومسؤولي الحكومة ورجال الدين، يخلق هذا التوقع لدى المتلقي شعورا بتحقيق مكاسب، حتى لو كانت مجرد شعور بالتقدير أو الاعتراف.

لذلك، لا تحظى الافكار الثمينة لأصحاب الرأي سواء أكانوا مستقلين أو يفتقرون إلى نفوذ اجتماعي أو لا يشغلون مناصب حساسة في الدولة، بالاهتمام الكافي، بيننا تحوز الأفكار التافهة التي يقترحها شخص ذي مكانة مرموقة او منتم لحزب مهيمن، باهتمام كبير ونقاش واسع.

هذه الظاهرة نتائجها مقلقة على اكثر من صعيد، فهي تؤدي الى:

- التفاهة: هيمنة أفكارٍ سطحيةٍ، تفتقر إلى المحتوى الحقيقي، لمجرد صدورها عن أصحاب النفوذ والثروة، دونما اهتمامٍ بجوهرها أو قيمتها أو مصداقيتها.

- التحيز للتوافق: قد تُقبل أفكار الأشخاص المنتمين إلى نفس المجموعة الاجتماعية او السياسية او الدينية دون تقييم نقدي، بينما تُرفض أفكار أعلى قيمة منها وأكثر أهمية، لأنها صادرة من خارج الإطار.

- التحيز ضد الآخر: تُرسّخ هذه الظاهرة الظلم والتهميش للمفكرين والعلماء من الطبقات المعدمة والمستقلة، ممّا يُؤدّي إلى إهمال أفكارهم طالما لم يصنفوا ضمن النخبة الاجتماعية أو السياسية.

- هيمنة السلطة: تؤدي هذه الظاهرة إلى هيمنة أفكار وآراء ومرئيات الأشخاص الموالين للسلطة وأصحاب النفوذ والاحزاب السياسية والدينية، مما يعظم من استبداد الرأي ومحاربة أصحاب الفكر المختلف.

- معاداة التجديد: وهو سلوكٌ يُعيق مشروع التقدم، حيث تُحرم الأفكار الجديدة والمبتكرة من فرصة التقييم والانتشار إن لم تكن صادرة عن شخصيات بارزة.

- مصادرة الافكار: لا تحظى افكار واطروحات المستقلين والمنتمين للطبقات المعدمة بالاهتمام والانتشار اللازم، ممّا يُشجّع اصحاب النفوذ والسلطة على سرقة الأفكار خفية ونسبها زورًا لهم.

لذا؛ يبدو ضرورياً تدريب المجتمع على التفكير النقدي كأداةٍ مهمة لمكافحة الانحياز لاصحاب الوجاهة، وتعليم الناس طرق تقييم الأفكار بناءً على محتواها وليس على مصدرها، وذلك من أجل اتاحة الفرصة للأصوات المهمشة والمستقلة المساهمة في بناء أوطانهم ومجتمعاتهم.