إيران تستعيد شبح العدو العراقي

هناك ما يكفي من الاحقاد في قلوب الإيرانيين لكي يروا في حيدر العبادي صدام حسين جديدا.

حين طالبت نائبة الرئيس الإيراني، معصومة ابتكار العراق بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت ببلادها جراء حرب الثمان سنوات فضحت ما كان سياسيو العراق يرغبون في أن يبقى مستورا.

لا يكفي أن يتنقل قاسم سليماني بين جبهات القتال في المحافظات العراقية التي احتلها داعش باعتباره قائدا عسكريا.

لا يكفي أن يصرح وزير خارجية العراق بأن سليماني يعمل مستشارا عسكريا لدى القائد العام للقوات المسلحة العراقية.

لا يكفي أن يُعلن زعماء ميليشيات الحشد الشعبي ولاءهم المطلق لإيران وايمانهم بمبدأ ولاية الفقيه باعتبارهم جنودا لدى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران.

لا يكفي أن التومان الإيراني صار عملة رسمية يتم تداولها في عدد من المدن العراقية.

لا يكفي أن تزين عدد من المدن العراقية واجهاتها وشوارعها بصور خميني وخامنئي.

لا يكفي أن يقاتل العراقيون في أفواج الحرس الثوري الإيراني في سوريا.

لا يكفي أن يعارض العراق في الجامعة العربية كل قرار يتعلق بإيران.

لا يكفي أن يتحول العراق إلى مختبر لمختلف أنواع المخدرات القادمة من إيران.       

لا يكفي أن تتم عمليات شراء العملة الصعبة في البنك المركزي العراقي لصالح إيران.

لا يكفي أن تتحكم إيران بما يرد إلى عراقيي الجنوب من كهرباء وماء صاف.

لا يكفي أن يكون مصير مئات المليارات من الدولارات التي اختفت من الخزينة العراقية غامضا وهناك مَن يجزم أنها ذهبت إلى إيران.

لا يكفي أن المسؤولين العراقيين الذين يُفتضح أمر فسادهم يهربون إلى إيران محملين بالأموال التي سلبوها.

لا يكفي أن المرشح لمنصب رئاسة الوزراء في العراق لا يصل إلى منصبه إلا بعد موافقة إيرانية.

لا يكفي أن عددا من سياسيي العراق الكبار يذهبون إلى السفارة الإيرانية ببغداد للإدلاء بأصواتهم باعتبارهم مواطنين إيرانيين.

لا يكفي أن الميليشيات قتلت عددا كبيرا من الأطباء وأساتذة الجامعة والطيارين وكبار ضباط الجيش العراقي بناء على قوائم أعدت في طهران.

لا يكفي أن علي السيستاني وهو إيراني الأصل والجنسية لا يزال صوته مهيمنا على عقول مقلديه من الشيعة البسطاء في العراق.

لا يكفي أن لإيران ممثلا رفيع المستوى في كل وزارة سيادية عراقية.

لا يكفي أن هناك سفراء عراقيين يتحدثون الفارسية بطلاقة لأنهم قضوا الجزء الأكبر من حياتهم في إيران ويحمل البعض منهم الجنسية الإيرانية.

لا يكفي أن مجلس النواب المقبل سيضم في عضويته نوابا سبق أن قاتلوا ضمن قطعات الجيش الإيراني ضد العراق في حرب الثمان سنوات.

كل هذا وسواه لا يكفي من أجل أن ينسى الإيرانيون حقدهم على العراق.

وها هو تصريح متواضع وبسيط من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يثير غضبتهم ويجعلهم يسترجعون شبح العدو الذي لم يكن صدام حسين سوى رمز تاريخي له.

لقد حاول الرجل أن يكون لبقا ودبلوماسيا بحيث لا يقول الحقيقة كاملة.

العبادي يعرف أن على العراق أن ينصاع لما تمليه العقوبات الأميركية على إيران. غير أنه في محاولة منه للخروج على النص أشار إلى أنه لا يتعاطف مع تلك العقوبات.
كان يكفيه بسبب ذلك التصريح أن يكون في مرمى السهام الطائفية التي يعرفها جيدا، كونه عضوا في حزب الدعوة.

"قلوبهم معك وسيوفهم عليك" في استذكار لمحنة الامام علي.

كما أن البعض تحدث عن ترامب باعتباره يزيد بن معاوية المعاصر الذي يستعد للإجهاز على إيران باعتبارها الحسين بن علي.

كل ذلك التجييش الطائفي لا يكفي من وجهة نظر نظام آيات الله.

وهو ما أملى على نائبة الرئيس الإيراني أن تُظهر الوجه الحقيقي للنظام الإيراني الذي حاول سياسيو العراق التستر عليه.

إيران فعلت كل ما فعلته في العراق لأنها تعتبره عدوا. هو العدو الذي هزمها. ليس المطلوب أن تنسى إيران هزيمتها. ولكن المشكلة تكمن في إنها لا تثق بالعراقيين ولا تصدق أن العراق سيكون تحت هيمنتها إلى الأبد.

يستعيد نظام آيات الله ذكرى عدو هو العراق بغض النظر عما يعلنه التابعون لها من إشارات الطاعة والولاء. فالعراق بالنسبة لذلك النظام ليس حكومته الذي يعرف أنها زائلة بل شعبه الذي قدم مليون شهيد من أجل أن يذوق خميني السم وتبقى حدود العراق مصانة.