اتحاد البرلمان الدولي والإمارات

نعم تتدخل الإمارات في الصومال. هي تتدخل منذ أكثر من ربع قرن تمد يد العون والإغاثة وتمنع الارهاب والحرب الأهلية.

فجأة يرسل اتحاد البرلمان الدولي لدولة لإمارات العربية المتحدة تنبيها بضرورة عدم التدخل في الصومال، لأن ذلك يمس السيادة الصومالية ووحدة أراضي الصومال. لا بد هنا من التساؤل: هل أرسل الاتحاد تنبيهات مشابهة للجهات التي لم تكتف بالتدخل في شؤون الدول الأخرى بل عملت على تقسيمها؟ وإذا كانت الإمارات قد تدخلت الآن في الصومال لتطوير ميناء بربرة، فقد تدخلت لدعم الصومال منذ ربع قرن وأمدته بالإغاثة والوساطة لوقف الحرب الأهلية والإرهاب ودعم الحكومة ضد جماعة الشباب المتطرفة في منتصف عام 2015، وكان يعاني من مشكلات لا حصر لها. اليوم يكافئونها بتقديم شكوى ضدها إلى الأمم المتحدة واتحاد البرلمان الدولي. كان حريا بهم أن يذكروا الفضل ويمدوا لها يد العون. ورغم ذلك، تدعي الصومال الحياد في الأزمة الخليجية، مع أن تركيا وقطر مرحب بهما، والإمارات ليست كذلك. ألا يؤشر ذلك على موقف مقديشو المؤيد للإسلام السياسي؟

إن مشكلة ميناء بربرة فرضت نفسها لكون الميناء يقع في جمهورية أرض الصومال المنفصلة والمناوئة لمقديشو، وهذا لا يعني دعم الإمارات لطرف دون طرف، بل يعني أن الإمارات تريد الدفاع عن نفسها ضد ذيول ايران في المنطقة. وميناء بربرة ذو موقع استراتيجي ومقابل لميناء الحديدة. فالتحديات التي تواجهها الإمارات جسيمة، فهي محاطة بإيران وأتباعها، وإذا كان الصومال وقف على الحياد من الأزمة الخليجية فيما يتعلق بقطر، فليس له عذر في عدم دعم الامارات في حربها مع ايران والجماعات التابعة له. ولو افترضنا أن الحوثيين نجحوا في السيطرة على ميناء الحديدة، فالصومال على الجهة المقابلة من البحر الأحمر ليست بعيدة عنهم، وكلما حلت ذيول ايران في أرض، امتدت أنظارهم إلى أبعد منها. فالصومال له مصلحة حيوية في عدم تمكين الحوثيين من ميناء الحديدة.

إن ما تقوم به المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هو خدمة لجميع الدول العربية المستهدفة من ايران لنشر التشيع والحروب الطائفية التي لا تخلف إلا الدمار والخراب والتخلف الفكري، ومن واجب جميع الدول العربية دعمهما بقدر استطاعتها، حماية لنفسها وليس حماية للإمارات والسعودية. وهذا ليس من تنبؤات المستقبل، ولكنه يحدث الآن على أرض الواقع. والعراق مثال حي. فبعد أن كان في قمة الحضارة، نراه اليوم وقد اختزل حضارته وعلمانيته السابقة وتبنى نظاما طائفيا مخجلا، وبعد أن كان العرب لا يعرفون الفرق بين السنة والشيعة، انقسم الناس حسب طائفتهم، وهذا مؤلم ومؤسف في عصر تتسابق فيه الأمم في التنمية واستكشاف الفضاء.

لم يكن أحد يتوقع دعما من الولايات المتحدة، ولم يفاجأ أحد بموقفها الماكر وبالتناقض بين خطابها وأفعالها. ولكن خذلان العرب مستهجن، لأنهم في قارب واحد، وكلما انهارت دولة، انتقل الخراب إلى التي تليها، والصومال هو الأقرب للإمارات وهو ذو موقع حيوي، وعليه أن يتعاون مع الإمارات حرصا على نفسه لكي لا تغشاه ميليشيات شبيهة بالحوثيين مستقبلا.

يستنكر الإسلاميون موقف السعودية والإمارات من ايران بحجة أنها دولة مسلمة ولا يجوز قتالها، وبناء على ذلك، فإذا تمكنت من فرض نفوذها في الدول العربية، عليهم أن يقبلوا تسليم أمرهم لايران، وعليهم أن يقبلوا سيطرتها على جيوشهم وأموالهم وعليهم أن يقبلوا بمحاولة نشر التشيع بين شعوبهم، وطمس الهوية العربية، وعليهم أن يقبلوا أيضا اندلاع الحروب الطائفية في شتى بقاع البلدان العربية، وعليهم أن يقبلوا أن تصبح ايران ولي أمرهم وطاعتهم لها واجبة. هذا مع احتمال قوي أن تصبح ايران وإسرائيل حليفتين.

إن كل دول العالم تميل إلى إنشاء كتل وتحالفات باستثناء العرب الذين يميلون إلى التفكك ومناصبة بعضهم العداء والاستقواء بالخارج، مع أن النتائج في كل مرة كانت موسومة بالخذلان والهزيمة، والغرب يدرك ذلك جيدا، لأن التاريخ بالنسبة له مصدر للعبر والدروس وتوظيف المعرفة، ولا يدرسونه للحفظ فقط، ولا شك أنهم يعرفون معركة الزاب الكبير التي انتهت بهزيمة الدولة الأموية، وهم اليوم يعيدون التاريخ لإشعال حرب بين السنة والشيعة، مستغلين تخلف بعض العرب واستعدادهم لخوض حروب دينية.

إن دولة الإمارات هي الاتحاد العربي الوحيد الناجح، والدولة العربية الوحيدة التي تتوفر لديها عوامل النجاح على مختلف المستويات، وهي مصنفة في تقرير المساعدات الإنسانية العالمية ضمن أكبر 20 دولة مانحة في العالم، وقد ذهبت معظم مساعداتها إلى الدول العربية وأولها مصر، فلا يجوز الوقوف في طريق نضالها لحماية أمن الخليج وأمن الدول العربية وهي تحتاج إلى دعم العرب جميعا في هذه الحرب الشرسة مع ايران وأتباعها، ولا بد أن يستفيد الجميع من نصرها، ولا بد أن يخسر الجميع بخسارتها.