الاثار الاجتماعية والنفسية لمجموعات الواتساب

شعور بالانتماء والتقدير للذات يصاحب استخدام تطبيق التراسل الفوري الأثير.

تُحظى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وتطبيقات التراسل الفوري المتنوعة باهتمام كبير ومتزايد من قبل العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات والبحوث في العالم، التي تُدرك تماما اهمية المعلومات التي يمكن ان تستقيها، والبيانات التي يتم استخلاصها من هذه المنصات الرقمية التي يقضي فيها ملايين الناس عدة ساعات يوميا.

المنصات الرقمية التي اضحت ظاهرة العصر الحديث خلقت عالما افتراضيا انتقل الى العيش فيه غالبية البشر وبدأوا بالتصرف طبقا لمقتضيات هذا العالم ووفقا لقوانينه واستنادا الى محددات معينة استطاعت ان تتحكم بالسلوك الانساني او تجعله، على الاقل، يتغير وهو ينتقل من العالم الواقعي وقواعده الى الفضاء الافتراضي واشتراطاته.

الاعتقاد السائد المرتبط بمواقع التواصل وتطبيقات التراسل هو انها تؤدي لنتائج سلبية وآثار غير صحية على الانسان من حيث اضاعة وقته وتشتيت انتباهه وفصله عن الواقع وجعله يعيش في عالم اخر غير حقيقي، فضلا عن انها تدمر علاقاته الاجتماعية بمحيطه الذي يعيش فيه، فيعاني بسببها من الوحدة. ولكن كان للبروفسورة لندا كايي مع فريقها رأي اخر مختلف وربما "مفاجئ" للاخرين، اذ انها وجدت بان تطبيق الواتساب له تأثير ايجابي على الصحة النفسية للمستخدم.

النتائج النفسية التي تترتب على الاتصال بالانترنت والبقاء اون لاين من اجل استخدام تطبيقات التراسل الفوري كالواتساب قد وضعت تحت الاضواء من قبل باحثين في جامعة ايدج هيل البريطانية باشراف البروفيسور لندا كايي والدكتورة سالي كون من جامعة يورك، حيث حاولوا اكتشاف اثر الواتساب على الصحة النفسية للفرد، والعلاقة بين استعمال الواتساب وبين الاثار التي تترتب على المستخدم على الصعيد الاجتماعي.

البحث الجديد الذي نُشر في الدورية الدولية لدراسات الانسان-الكمبيوتر  International Journal of Human-Computer Studies، تم من خلال استبيان اجاب عنه 200 رجل وامرأة (158 امرأة و42 رجلا) معدل اعمارهم 24، حيث تضمن الاستبيان الفترة التي يقضيها المستخدم مع الواتساب، والدوافع التي تقف وراء هذا الاستعمال، ونوعية العلاقات الناشئة بسبب هذا التطبيق، وهويات المجموعات وخصائصها.

البحث البريطاني اوضح ان وقت استعمال الواتساب للذين تم سؤالهم في الاستبيان كان حوالي 55 دقيقة في كل يوم، واجاب غالبيتهم عن سبب اختيار هذا التطبيق بانهم يستعملونه بسبب شهرته وشعبيته من جهة بالإضافة الى وجود خاصية المحادثات في المجموعات من جهة ثانية.

وقد اشارت نتائج هذا البحث الى ان المحادثات في المجموعات لها اثر ايجابي لايمكن تجاهله يتعلق بالصحة النفسية للمستخدم، كما ان الانخراط في حوارات مجموعات الواتساب يؤدي الى خلق مشاعر ايجابية فيما يتعلق بنوعية العلاقات التي تقام في فضاءها، وكلما زاد وقت استعمال المستخدمين للواتساب كلما قلت الوحدة التي يعانون منها، كما ستُعزز قيمة التقدير الذاتي والأهلية الاجتماعية للفرد نتيجة للارتباط الرقمي مع الاصدقاء والعوائل من خلال هذه المجموعات وما يجري فيها من تبادل للحوارات والقصص والمواد.

تقول الدكتورة لندا حول هذا الموضوع: كان هنالك الكثير من النقاشات حول الجانب السلبي لمواقع التواصل، لكننا وجدنا ان الامر ليس بهذا السوء كما نعتقد، فكلما زاد وقت تواجد الناس في الواتساب كلما زادت علاقاتهم قوة وادركوا ان هذه العلاقات ستكون جيدة، بل كلما ازدادت الصداقات ارتباطا كلما شعر الناس بالانتماء الى هذه المجموعات الافتراضية.

وما ينطبق على الواتساب الذي تم اخذه كنموذج وعينة للبحث، يمكن ان ينطبق على اي تطبيق للتراسل الفوري تتواجد فيها خاصية الدردشة الجماعية، حيث يثير هذا النمط من المحادثات فكرة انه من الممكن ان تُحفز العلاقات الحالية للمستخدم وتزداد فرص تواصله، وبالتالي تتعزز لديه الرفاهية الايجابية على حد تعبير البروفسور لندا.

النتائج التي توصل لها هذا البحث ترتبط، فيما يبدو، بالمجموعات العائلية او التي تضم اصدقاء يكون مجمل حديثهم حول الامور العائلية او العلاقات الشخصية والاجتماعية وما يجذب اهتمام وانتباه الفرد والاشخاص من حوارات وموضوعات معينة لا يغلب عليها طابع الجدية او النقاشات الحادة، اما المجموعات الاخرى ذات الطابع السياسي الجدلي فالأمر مختلف والنتائج التي تترتب على الانخراط بها تكون مغايرة الى حد ما.

فالمجموعات السياسية، التي تضم توجهات وتيارات مختلفة متصارعة، عادة ماتكون مشحونة بنقاشات واتهامات متبادلة وتشكيك بالاخر وحوارات تتعلق بموضوعات ليست حميمية بالنسبة للفرد ولا تمس مشاعره او المناطق الدافئة لديه كمجموعات العوائل والاصدقاء، لذلك لايمكن ان تنطبق عليها نتائج هذه الدراسة بصورة تسمح لنا بالقول مثلا ان مثل هذه المجموعات تعزز الشعور بالانتماء او التقدير الذاتي!