الشعار غزة والمحتوى دفن فلسطين

بات البعض يردد وهو محق "إن إيران أكثر خطرا من إسرائيل".

مَن يصدق أن إيران قد وضعت ميليشياتها في لبنان والعراق واليمن في حالة استنفار قصوى دفاعا عن أهل غزة ومنعا للإبادة التي تمارسها إسرائيل في حقهم فهو أما متواطئ مع المشروع التوسعي الإيراني أو أنه خضع لعمليات غسل الدماغ التي مارستها ولا تزال تمارسها الأجهزة الدعائية والمؤسسات الإعلامية التابعة للنظام الإيراني والأحزاب الموالية له ولجماعة الإخوان المسلمين في الوقت نفسه. وكلاهما ممولان ومدعومان من قبل قوى إقليمية وعالمية، كانت قد عملت ولا تزال تعمل على إفشال كل محاولة لإنقاذ النظام السياسي العربي الذي تعرض لضربات قاصمة، لم تكن بعيدة عن أجندات الصراع العربي الصهيوني الذي لم يكن في أي يوم من أيامه مقتصرا على فلسطين. بل هو صراع شاءت الإرادة الغربية مدفوعة بضغط اللوبيات اليهودية أن يشمل كل مساحة العالم العربي. فكل ما جرى بعد أحداث "الربيع العربي" لا ينفصل عن ذلك الصراع. وما قامت به إيران حين توغلت في عدد من الدول العربية من خلال ميليشياتها يصب بطريقة أو بأخرى في الهدف المعلن الذي هو ليس أقل من إضعاف النظام السياسي العربي إلى درجة عجزه عن التصدي لأدنى الأخطار التي يتعرض لها الأمن القومي.

ليس من مصلحة إيران أن يستعيد النظام السياسي العربي قوته بعد إنهيار العراق وسوريا. وهي في ذلك انما تلتقي مع إسرائيل عند خط هجوم واحد بعد أن كانا يقفان عند خط دفاع واحد، يوم كان العراق قويا وكان لسوريا جيش قوي ناهيك عما تملكه مصر من مؤسسة عسكرية، لم تنعكس عليها تصدعات الأوضاع الاقتصادية حتى الآن. الأسوأ من ذلك يمكن أن نتوقع حدوثه، وهناك إشارات كثيرة في ذلك المجال. فإيران كما إسرائيل لا يمكنهما تخيل بروز إرادة سياسية مستقلة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، في إمكانها أن تتمسك بثوابت الحق العربي في فلسطين وضرورة أن يكون حل الصراع قائما على القرارات الدولية التي حفظت للفلسطينيين جزءا من ذلك الحق. لم تصدر من طهران أية إشارة تؤكد ما يمكن اعتباره نوعا من التضامن مع القرار السياسي العربي بل العكس هو الصحيح. ما فعلته إيران أنها وسعت المسافة وعمقت الفجوة اللتين تفصلاها عن العالم العربي وذهبت في إلحاق الضرر بالمملكة ودول الخليج أبعد مما ذهبت إليه إسرائيل، حتى بات البعض يردد وهو محق "إن إيران أكثر خطرا من إسرائيل".

من هذا المنطلق يمكن النظر إلى الحرب التي تفتعلها ميليشيات إيران مع إسرائيل، عن قرب أو من بعد على حد سواء على إساس كونها إستعراضات، غلافها غزة غير أن محتواها الحقيقي لا يمت إلى الصراع العربي الصهيوني بصلة. بل أن حركة المقاومة الإسلامية التي وضعت غزة في فم الأسد كما يُقال مجازا هي ليست حركة تحرر وطني وقومي وهي لا تملك في منطلقاتها النظرية ما يؤكد ذلك الانتماء. فهي مثلها مثل كل الجماعات المسلحة التابعة لإيران لا تطرح القضية الفلسطينية إلا من منظور ديني. وهو منظور مناقض تماما لتاريخ حركة التحرر الوطني الفلسطيني التي أدار المسيحيون بكفاءة ووطنية الكثير من مفاصلها الحيوية وكانوا صناعا لأبرز لحظات بزوغ نجمها عالميا. ما تفكر فيه حركة حماس لا ينسجم مع طريقة التفكير السياسي لإيران، بل هو تطبيق حرفي للاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. ما تطمح إيران إلى اختراعه هو شرق أوسط جديد تديره من خلال جماعاتها المسلحة.      

لن يكون هناك استقرار في العراق وسوريا ولبنان واليمن في ظل اتساع دائرة الفوضى التي تشرف عليها إيران مباشرة. فإذا كانت الحرب في اليمن قد شارفت على نهاياتها فإن دخول أطراف عالمية على الخط بسبب تهديد الحوثيين لخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر سيقضي على الأمل بالاستقرار في ذلك البلد المعذب. أما الأمل في استقرار الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان فإنه أشبه باحتضان قنبلة موقوته في انتظار انفجارها. ما تقوم به إيران في المنطقة يدخلها بقوة في دائرة الشك، الذي يؤكده الموقف الإيراني المعادي للنظام السياسي العربي. وهو موقف يخدم المخططات الأميركية ولا يتعارض مع النهج الإسرائيلي الذي لا يمكن في أية حال من الأحوال أن يؤدي إلى العودة إلى منطقة وسط، تقبل فيه إسرائيل بحل عادل للقضية الفلسطينية. كل الشعارات التي ترفعها الجماعات الموالية لإيران من أجل نصرة غزة انما هي غطاء لجوهر معاد للقضية الفلسطينية.