العقار الشافي والسم الهاري

كم مرة يستطيع النظام الإيراني تجرع كأس السم والنجاة منه؟

لا ريب إن هناك العديد من القرارات الحساسة والاستثنائية التي واجهت نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية طوال العقود الاربعة المنصرمة، ومع إن العديد منها كان ثقيلا جدا على النظام ويمس مبدأيته وبنائه الفكري نظير موافقة الخميني على قرار وقف إطلاق النار مع العراق، وكذلك التوقيع على الاتفاق النووي، لكن لا ريب من إن طهران تمكنت بطريقة أو أخرى ليس التخلص من الآثار والتداعيات السلبية لتلك القرارات وغيرها وانما نجحت أيضا في إمتصاص آثارها وتداعياتها السلبية أيضا. لكن لا يبدو إن هذا الاسلوب والنمط الذي إستخدمه النظام طوال الاعوام الماضية بإمكانه أن ينفع مع المفاوضات التي دعا الرئيس الاميركي ترامب الايرانيين إليها مٶخرا، حيث يبدو واضحا بأن هناك حالة غير إعتيادية بالمرة من هذه الدعوة الترامبية تفرض نفسها على الاوساط السياسية الحاكمة في طهران الى الحد يمكن القول إنها تجعلها في حيرة من أمرها ومن القرار الذي ستنتهي إليه بهذا الصدد.

معالم الحيرة والقلق والتوجس التي تكاد أن تطغي على طهران، تنبع من واقع إن هناك إدراك كامل من جانب الاوساط الايرانية الحاكمة إن المفاوضات لو أجريت هذه المرة مع الولايات المتحدة، فإنها ستختلف كليا عن سابقاتها لأن سياق نهايتها لا يمكن أن يكون لطهران دور ما في تحديدها، إذ أن الاميركيون كما يبدو قد إستفادوا من تجاربهم السابقة الفاشلة مع الايرانيين ويسعون هذه المرة تحديدا للإستفادة منها وهذا ما يعلم به الايرانيون ولذلك فإنهم يتخوفون كثيرا من مفاوضات لا مجال فيها للعب واللف والدوران.

أكثر شيء يٶلم القادة الايرانيين ويٶرقهم، إن ترامب عندما دعا إيران للحوار، فإنه قد ألقى الكرة في ملعبها، لكن بطبيعة الحال لابد من أخذ بعض الامور الهامة بنظر الاعتبار نظير:

ـ ترامب دعا للحوار من مركز القوة وكالذي يصدر أمرا ولكن بصورة مٶدبة الى حد ما بحيث تحفظ للمقابل شئ من ماء الوجه.

ـ نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية ومهما قال أو سعى أو إدعى بشأن أوضاعه، فإنها كلها ضعيفة ومتداعية على مختلف الاصعدة، ولأول مرة في تأريخ هذا النظام نجد أن رفض المفاوضات أو قبولها متساويان في النتيجة والتأثير.

ـ الشعب الايراني الذي يردد حاليا شعار"عدونا هنا وليس في أميركا"، قد بعث برسالة واضحة جدا للنظام، رسالة يقول فيها ما يجري مع أميركا شأن خاص بكم وهو حصيلة ونتيجة لأخطائكم وعليكم دفع الثمن، أي بإختصار شديد، الشعب الايراني يعلم هو الآخر بأن هذه المفاوضات نهاية النظام ولذلك يقف موقفا حازما منها.

ـ المعارضة الايرانية النشيطة والفعالة والمتواجدة في الساحة، والتي تتمثل في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، رأى ويرى بأن التغيير في إيران شأن خاص يرتبط بالشعب الايراني والمقاومة الايرانية، وإن إستمرار الاحتجاجات الشعبية والتي وصلت الى ذروتها بالمطالبة بإسقاط النظام وتوسيع دائرة النشاطات المعارضة ضد النظام في الخارج، تدل على إن هناك ما يمكن وصفه بالاكثر من إستعداد للتصدي لأهم مهمة بإنتظار الشعب والمقاومة الايرانية.

ما الذي يمكن أن يحدث لطهران من بعد هذه المفاوضات غير العادية؟ في البداية ذكرنا بأن رفض هذه المفاوضات أو القبول بها، متساويان من حيث التأثير والنتيجة على النظام، أي أنه العقار الشافي والسم الهاري في نفس الوقت، وبطبيعة الحال فإنه عقار شافي للشعب الايراني الى حد ما وسم هاري للنظام.