الكويت: حزمة تحديات أمام حكومة أحمد النواف

الاختبار الحقيقي لحكومة "العهد الجديد" هو تصفيتها جيوب الفساد المتراكمة من الحكومات السابقة.

ربما لم يحظ رئيس وزراء بالترحيب الشعبي كما يحظى به الشيخ أحمد النواف الصباح. فخلال السنوات الماضية لم يفلح رؤساء الوزراء السابقين في كسب رضا الاغلبية البرلمانية، وكان الصدام بين نواب المعارضة ورئاسة الحكومة هي عنوان الحراك السياسي في البلاد.

في فبراير من العام 2006 تولى الشيخ ناصر المحمد رئاسة الحكومة بتكليف من امير البلاد الراحل الشيخ صباح الاحمد، وفي شهر مايو من ذات العام قدم له ثلاث نواب استجوابا بسبب تعديل الدوائر وتم حل البرلمان.

وتوالت الصدامات بين الاغلبية البرلمانية ورئيس الحكومة، بشكل متكرر وحاد للغاية، وكان تشكيله للحكومة السابعة هي خاتمة المطاف، حيث اضطر لتقديم استقالته استجابة لضغط الشارع وحركة نواب الاغلبية في نوفمبر من العام 2011.

أما الشيخ جابر المبارك، فلم تكن تجربته أفضل حالا، فقد تولى رئاسة الحكومة في نوفمبر 2011 وانتهت في نوفمبر 2019 شكل خلالها 6 حكومات، وجه له فيها 11 استجوابا، اضطر لتقديم اعتذاره من رئاسة الحكومة الى امير البلاد بعد وصول العلاقة مع المجلس الى طرق مسدودة.

بعد اعتذار المبارك، اصدر امير البلاد تكليفا للشيخ صباح الخالد لتولي رئاسة الحكومة، وذلك في نوفمبر 2019. وفي يناير 2021 تم تقديم استجواب له بتأييد من 38 نائبا مما دفعه لتقديم استقالته. وبعد اعادة تعيينه استمر التوتر بين الطرفين في اعلى مستوياته، ورغم نجاح الحوار الوطني في فتح بعض الملفات العالقة مثل ملف العفو، الا انه لم ينجح في نزع فتيل المواجهة بين الحكومة والاغلبية البرلمانية، وهو ما انتهى الى تقديم الخالد استقالته من رئاسة الحكومة في يوليو 2022.

تتميز حكومة الشيخ أحمد النواف بتضامنها الكبير مع نواب الاغلبية، وتوافقها مع توجهات مجلس الامة، حتى ان اعتراض النواب على بعض الوزراء تلقفه رئيس الحكومة بصورة ايجابية وأجرى تغيرات جزئية، انعكست ايجابيا على العلاقة بين الطرفين.

اطلق على التشكيل الوزاري وحكومة أحمد النواف "العهد الجديد"، والكل يحدث نفسه بأن القادم أجمل على مستوى الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وثمة شعور بأن الشعب استعاد الحكومة لصالحه، وانها اليوم تمثل اكثر من اي وقت اخر الشعب ومصالحه وانها جزء منه.

استهل النواف حكومته بوقف التسهيلات لنواب الخدمات وتوجيه الوزراء ومن هم دونهم الى مباشرة انجاز المعاملات بالطرق القانونية السليمة، والانتقال من الدور التشريفي للوظائف الى الاداء الفعلي مدعما ذلك بتفعيل ادوات الرقابة على القيادات والموظفين، استقبلت هذه القرارات من قبل الناس بارتياح بالغ.

في خطوة ايجابية اخرى قدم النواف برنامجا مفصلا يعتبر الاول من نوعه منذ نشأة الكويت، وينتظر عند تطبيقه ان يحدث نقلة نوعية في المشهد السياسي والاقتصادي للدولة، ويمثل التضامن النيابي مع الحكومة دعما كبيرا لنجاح البرنامج وتحقيقه في فترة وجيزة.

لكن هذا ليس كل شيء، فالأمور ليست وردية كما ترسمها السطور السابقة. فأمام حكومة الشيخ احمد النواف تحديات حقيقية اذا لم يتم الالتفات لها، لا يستبعد ان يمنى البرنامج الحكومي بنكسة حقيقية.

حتى الان لم تحاسب القيادات المتورطة في قضايا الفساد على ما ارتكبوه من اخطاء جسيمة عند تولي وظائفهم العامة، واكتفى النظام باستقالة او تقاعد بعض الفاسدين دون ان تمسهم اي اجراءات عقابية.

ان عودة الفاسدين الى حياتهم الطبيعية ونفاذهم من العقوبة كفيل بإشاعة الاحباط من جدية السلطة في المضي بمشروع الاصلاح، كانت الخطوة الاولى المرتقبة في تعزيز الاصلاح هو فتح الملفات السابقة وردع عرابي الفساد، وتنظيف البلد في قمة الهرم الحكومي من العناصر التي تلوثت يدها بتدمير الدولة سياسيا او اقتصاديا، سواء في السطو على المال العام او التسبب في اهدار الثروة الوطنية، او في تكميم الافواه والتضييق على اصحاب الراي، او في حرمان الدولة من عقول وطاقات ابنائها، او في طرد الكفاءات لصالح التعيينات البراشوتية.

مكافحة الفساد وانزال العقاب على رعاته ومتنفذيه خطوة مستحقة يؤخذ على حكومة النواف انها لم تفعلها حتى الان، ولم يرَ الشعب او يسمع عن احالة وتقديم الشخصيات المتورطة حد النخاع في قضايا الفساد الى المحاكمة.

ان اجراءات حكومة النواف الاصلاحية لا تؤخذ حتى هذه الساعة بعين الاعتبار من قبل الجهات المتنفذة. فعلى سبيل المثال تتحدث الحكومة عن رفاهية المواطن كأولوية، ورفعت مسودة لبرنامج عملها تحت عنوان «وطن آمن ورفاهية مستدامة»، بينما لا يزال التجار والمتنفذون يتلاعبون بالاسعار وتزداد ضغوطهم على معيشة الناس، وترتفع قيمة السلع الغذائية والاستهلاكية بشكل مبالغ فيه، حتى اصبحت الرواتب لا تكفي لمنتصف الشهر.

تقول حكومة النواف ان دعم المنتج المحلي يحظى بأولوية الدولة، بينما يعاني المنتج المحلي من عدم توفر اسواق لتصريفه، ولا تزال معاناة اصحاب المشاريع الوطنية تتضخم وتتضاعف دون حلول جذرية.

تقف حكومة النواف كذلك عاجزة امام تضخم اسعار العقار، ومن المعلوم ان هذه المشكلة لا تحتمل التأجيل، فكل يوم يمر دون ايجاد حلول جذرية لها يفاقم من الازمة ويحولها الى مرض عضال يصعب علاجه.

خلال السنوات السابقة تم التلاعب بأسعار الاراضي بشكل واسع النطاق، حتى وصلت اسعار العقار في الكويت الى اسعار جنونية ربما لا نظير لها في العالم، بحيث اصبح من الصعب على المواطنين التفكير في اقتناء منزل مناسب، اضافة للمبالغة في اسعار مواد البناء مع صمت حكومي كامل وعجز عن ايجاد حلول جذرية.

بدأ الناس يتحدثون عن حصر القدرة الشرائية للعقار في فئات اقتصادية محددة، او من لديه مصادر دخل استثنائية، من قبيل ما كشفته جريدة القبس عن صرف 3.6 مليارات دينار على رواتب استثنائية يستفيد منها 33.6 شخص فقط، منهم نواب ووزراء وقياديين سابقين.

تسعى حكومة النواف الى حل مثل هذه المشكلات بالرقابة، بينما الحل يكمن في تتبع الفساد الذي جرى بمعية الحكومات المتعاقبة، والتي احتكرت القسائم وجعلت اسعارها ترتفع الى ما هي عليه اليوم. والامر لا يتعلق بالسكن، وانما تكمن خطورتها في البيئة الطاردة للصناعات، فارتفاع اسعار القسائم يعني ارتفاع تكاليف التخزين وهو ما يؤدي بطبيعة الحال الى تعثر الصناعات الوطنية، واحباط اصحاب المشاريع.

ويبدو ان سياسة حكومة احمد النواف لم تقطع الصلة حتى الان مع الحكومات التي سبقتها، ويخشى ان تكون امتدادا لذات السياسات. فلم تتقدم حكومة النواف بأي برامج لتفكيك المشكلات المتراكمة وقطعها من جذورها، والحلول الجزئية التي تصدر بين فينة واخرى لا تقوى على انتشال البلد من كومة المشكلات المتراكمة، ولا تخلق بيئة عمل جديدة.

ربما احد ابرز اوجه القصور التي وقعت فيها حكومة النواف مثل سابقاتها انها تتألف من شخصيات لا تعيش معاناة الاغلبية، ولا تنتمي الى طبقاته الفقيرة، ولا هم من ذوي الدخل المحدود، لا يدرك اغلبهم تفاصيل معاناة المواطنين ولا يتلمسون احتياجاتهم الا من خلال قراءة التقارير الصحفية، او تغريدات تويتر، ولذا تكون اغلب قراراتهم فوقية لا علاقة لها بالإصلاح الحقيقي.

فهناك مساحة محدودة تتحرك خلالها الاختبارات الحكومية، ولذا فان التكرار والنسخ في الاشخاص او في النوعيات المستهدفة هو عنوان التشكيلات الوزارية المتتالية، وهذا السبب الاساسي الذي يجعل من الحكومات المتعاقبة خالية من الابداع والتجدد.

اذا اردنا النهوض فعلينا بدءا، ان نستفيد من التجارب الرائدة في استراتيجيات التنمية، والتوقف عن النزعة العدوانية ضد التغيير، اذ لا يمكن ان تتحرك عجلة الاصلاح دون ان يكون الجميع مشاركا فيها.