برنامج كاميرا خفية حول التطبيع يثير سخطا في تونس

برنامج "شالوم" يعمل على استدراج شخصيات سياسية ورياضية وفنية للحوار مع وفد إسرائيلي على أساس التعاون مع تونس ودعمهم بالمال.
أوساط إعلامية رأت في طريقة البرنامج محاولة لتوريط الضحايا
نقابة الصحفيين تعتبر ما تمّ تقديمه لا يمت بصلة للمنتوج الصحفي ولا يستجيب لمعايير البرامج الترفيهية

أثار برنامج كاميرا خفية تبثه قناة "تونسنا" الفضائية حول التطبيع مع إسرائيل جدلا حادا في الأوساط السياسية والشعبية في تونس ما دفع بنقابة الصحفيين إلى الدعوة لمقاطعة البرنامج فيما قال وليد الزريبي معد البرنامج أنه تعرض للتهديد بالقتل.

ويركز البرنامج الذي يحمل عنوان "شالوم"ويبث كل ليلة على استدراج شخصيات سياسية ورياضية وفنية للحوار مع وفد إسرائيلي على أساس التعاون مع تونس ومع السياسيين والنشطاء ومساعدتها وتقديم دعم مادي ولوجستي لها للرفع من نشاطها.

وقال وليد الزريبي إن "البرنامج لا يعدو أن يكون "كاميرا خفية" حاول من خلاله توفير فرصة لقيادات سياسية في الأحزاب للتعبير عن رفضها للحوار أو قبول الأموال في ظل اختراق البلاد من قبل أجهزة استخبارات لذلك أردنا أن نختبر تلك الشخصيات.

وتم تصوير الحلقات 22 حلقة من شالوم في فيلا تونسية وتم تقديمها للشخصيات التي وقعت في الفخ على أنها السفارة السرية لإسرائيل تضمنت علم الكيان الصهيوني.

وخلال الحلقات التي تم بثها أعرب الوفد الإسرائيل الموهوم عن رغبته في تقديم دعم مالي لشخصيات لها طموحات سياسية على أن تقبل التطبيع مع الكيان الصهيوني.

غير أن أوساط إعلامية وسياسية وشعبية رأت في البرنامج ومضمونه وطريقة تقديمه محاولة لتوريط "ضحايا البرنامج" بشأن مدى قبولها للحوار والتطبيع ومن ثمة تقديم صورة مغالطة لتونس وللتونسيين على أنهم لا يروا مانعا من التطبيع.

تظهر حلقات "شالوم" أن "الضيوف" ما أن يدخلوا مكان التصوير حتى يكتشفوا أنفسهم في ما يشبه حالة اختطاف

ومن أبرز الحلقات إثارة حلقة سقط في فخها السياسي عبد الرؤوف العيادي رئيس الهيئة السياسية لحركة "وفاء" حيث قبل بعد تردد الحوار والحديث إلى الوفد الإسرائيلي.

وأظهر شريط فيديو للحلقة الأولى لـ"شالوم" موافقة العيادي على قبول مساعدة بـ 500 مليون، نحو 240 مليون دولار من قبل سفيرة موهومة لإسرائيل في تونس.

وتعليقا على قبول العيادي بالمبلغ المالي قال وليد الزريبي "إن العيادي الشخصية السياسية المعروفة خذلنا لأننا وفرنا له فرصة ليعبر عن رفضه القاطع الحوار مع الوفد الإسرائيلي ومن ثمة يقدم صورة مشرفة له شخصيا وللتونسيين بصفة عامة".

واعتمد الوفد الإسرائيلي الموهوم على الترغيب من خلال الترويج إلى أنه يسعى إلى السلم وعلى الترهيب عبر التهديد بأن إسرائيل تحكم في العالم تعين الرؤساء وتعزلهم.

ودفع البرنامج بنقابة الصحفيين التونسيين بإصدار بيان شددت فيه على أن برنامج "شالوم" تعمد "التمرير اليومي لمشاهد تتضمن علم الكيان الصهيوني يعد تطبيعا وتمييعا للقضية الفلسطينية خاصة في ظل الوضع الإقليمي والدولي الذي يتعرض فيه الحق الفلسطيني إلى هجمة شرسة".

وقالت النقابة إن "ما تمّ تقديمه لا يمت بصلة للمنتوج الصحفي ولا يستجيب لمعايير البرامج الترفيهية المعروفة بالكاميرا الخفية ويتضمن انتهاكا صارخا لأخلاقيات المهنة عبر خلق وضعية وهمية لإجبار الضيوف على الإدلاء بتصريحات في أتجاه معين".

ودعت النقابة التونسيين إلى مقاطعة البرنامج مشددة على أنّ "استعمال القوة والترهيب في التعامل مع الضيوف وإجبارهم على مواصلة المشاركة في اللقاء وانتزاع تصريحات لا يمت للعمل التلفزي والإعلامي بأي شكل من الأشكال".

وتظهر حلقات "شالوم" أن "الضيوف" ما أن يدخلوا مكان التصوير حتى يكتشفوا أنفسهم في ما يشبه حالة اختطاف حيث يوجد أعوان أمن موهومين حاملين للسلاح.

ووصف مراد علالة الصحفي والمحلل الإعلامي "شالوم" بـ"البرنامج المسموم والمشبوه الذي يسعى إلى استغلال البرامج الترفيهية لتمرير ثقافة التطبيع مع الكيان الصهيوني".

وأضاف علالة الناشط في الجبهة الشعبية "إن مثل هذه البرامج تمثل خطورة بالغة على اتجاهات الراي العام وخاصة على الأطفال والشباب وعلى السر التونسية عامة".

وذهبت عديد وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وسياسيين إلى حد اتهام مقدم البرنامج بتلقي أموالا من جهات إسرائيلية لتمويل البرنامج التي تكلف بأموال طائلة.

غير أن الزريبي استهجن مثل هذه الاتهامات مشددا على أن البرنامج تم تمويل حلقاته 100 بالمئة من قبل جهات تونسية دون أن يقدم إيضاحات ضافية بشأنها.

واستأثر "شالوم" باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام إذ خصصت غالبيتها برامج حوارية مع معد مقدم البرنامج وليد الزريبي ووجهت له انتقادات لاذعة مشددة على ان البرنامج وعلى الرغم من أنه كاميرا خفية يستبطن نوعا من التطبيع مع إسرائيل.

غير أن الزريبي نفى نفيا مطلقا مثل هذه الاتهامات لافتا إلى أنه سعى إلى تقديم كاميرا ذات مضمون مثير وجديد وجذابا بعيدا عن أي شكل من أشكل التطبيع.

وأقر الزريبي أنه لم يتعرض فقط لضغوط سياسية ولقوة متنفذة فقط بل تعرض أيضا إلى تهديدات بالقتلمن قبل ميليشيات محسوبة على أحزاب سياسية دون أن يذكرها بالاسم مؤكدا أنه لم يعمل لفائدة أي طرف كان مثلما تم الترويج إليه وإنما يعمل فقط لفائدة تونس لافتا يقول "من يقول إن هناك من يقف وراءنا يقدم برهانه".

وفيما قال الزريبي أن الذين سقطوا في فخ "شالوم" على علم مسبق بأنهم سيتحاورون مع وفد إسرائيلرد عدد منهم بأنه لم يتم إعلامهم مسبقا بذلك وأكد الفنان محسن الشريف أنه تلقى عرضا لإحياء حفل مزعوم في إسرائيل بمناسبة تدشين مقر السفارة الأمريكية بالقدس إلا أنه رفض ذلك بصفة قطعية وقام بإلقاء حقيبة المال الذي عرض عليه كمقابل.

ومن من جهته شدد عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح على أنه لم يكن على علم بموضوع السفارة الإسرائيلية بادئ الأمر عندما دعاه الإعلامي وليد الزريبي، مؤكدا أنه لم يسقط في فخ التطبيع ولم يقبل بالمال مثلما يتم الترويج لذلك.

ووصف عبد الرؤوف العيادي معد "شالوم" بـ"المجرم" مشيرا إلى أنه "كان ينتظر رصاصة في أي لحظة من اللحظات" في إشارة إلى وجود أشخاص يحملون السلاح داخل مقر السفارة الإسرائيلية الموهومة وهي فيلا تم إيجارها من قبل معد البرنامج.

ورفع العيادي شكوى إلى القضاء التونسي ضد معد البرنامج واصفا بأنه تم "الكذب عليه بالمشاركة في برنامج حول الانتخابات الرئاسية واصفا "شالوم" بالعملية الإجرامية ومشددا على أن وليد الزريبي تعمد حذف مقتطفات من حلقة البرنامج قصد تشويهه.

وعلى الرغم مما تحظى به برامج الكاميرا الخفية خلال السهرات العائلية الرمضانية لا يستقطب برنامج "شالوم" سوى نسبة مشاهدة متدنية ما بدا مؤشرا على أن التونسيين يرفضون أي شكل من أشكال التطبيع حتى وإن كان مجرد كاميرا خفية.

وقال مراد علالة وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين إنه "ما كان لبث "شالوم" لولا حالة الانفلات الإعلامي في ظل غياب مؤسسة مستقلة مهنية تمارس الرقابة الحرفية على البرامج التلفزيونية" وتوقع أن "جهات مشبوهة تقف وراء فكرة وتمويل "شالوم".